[بحث في أجرة الحكام]
  برضى الغرماء، وقد قال الرسول ÷ «هدايا الأمراء غلول»(١)، هذا حيث لا مال للمصالح وإلاَّ فمنها، حتى نصوا على تحريم الزائد ولو عقداً.
  وعندنا في هذه المسألة مثلما اختاره بعض أئمتنا المتأخرين: وهو قول وسط لا يقال يأخذ الحاكم مثل المأمون النزر اليسير وهو شاغل أوقاته بالقضاء ونظره وبحثه وقلمه بمسافة عن قلم المأمون، ولا يقال يفرض على الغرمآء ما أراد شيئاً كثيراً ويجبرهم عليه، بل ما يغلب بظنه أنه يستحقه مع التورع لا سيما مع طيبة أنفسهم، أو فرضهم ذلك من أنفسهم، وهي تختلف باختلاف التعب وحفظ المواقف ومزيد السير وغير ذلك من الإعتبارات، فإن تفاوت هو وهم فالقياس أن يعينها حاكم غيره.
  نعم إذا أذن الإمام للحاكم بقبض ما زاد على أجرته جاز ذلك، ويكون للإمام نيته هل يكون تضميناً أو معونة أو تأديباً أو غير ذلك، وتكون للإمام إن طلبها، وللحاكم إن أطاب بها له.
  وعندنا جواز مثل هذا بشروط:
  أحدها: أن يكون الحاكم من أهل الورع.
  ثانيها: أن يسلموا الزائد بطيبة أنفسهم لا مصادرة.
  ثالثها: أن يكون الحاكم حيث أجازها له تنبغي مواساته لإصلاح حاله وقلة ذات يده.
  ورابعها: لا يستنكر كثرتَها أهلُ الصلاح فتكون ذريعة للنقم.
  فمثل هذا قد أذنا لكم به، وقد جاء مثله في خبر معاذ ¥ حيث سوَّغ
(١) رواه الطبراني في الأوسط (٦/ ٢١) ح (٧٨٥٢)، والهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ١٥٤).