[مقاتلة الممتنع عن التحاكم إلى الشريعة المطهرة]
  ووقعت سيول كثيرة يوماً بعد يوم وكلما وقع سيل سقى به الأعلى، والأسفل محتاج إليه، والأعلى قد وقعت له الكفاية من السيل الأول، وامتنع الأعلى من إرساله للأسفل إلا إذا كثر وغلب على مشربه، فما حكم ذلك؟ هل للأسفل منع الأعلى مع ماذكرنا؟
  الجواب وبالله التوفيق: إذا كان الأمر كما وصف السائل فإن الواجب للأعلى أن يسقي حتى يستكفي الكفاية التامة على حسب العرف، ثم يجب عليه أن يرسل الماء إلى الأسفل، فإذا كان قد سقى اليوم الأول سقياً تاماً لم يكن له أن يحبس الماء اليوم الثاني بل يسقي به الأسفل، إلاَّ أن يكون قد تقادم عهد السقي الأول، بحيث يحتاج المال إلى السقي الثاني فإنه يسقي به الأعلى، والمتبع في ذلك العرف، فقدر الكفاية التامة هو الأولى بها، وما زاد عليها فالأسفل أولى بها.
  وأما مسألة السؤال: وهي حبس الماء بعد الكفاية حتى يفيض بنفسه فلا يحلُّ ولا يجوز، وهذا فيما كان السقي فيه بالسبق فقد قضى النبي ÷ بمثل هذا(١)، إلاَّ في القدر فمحمول على أن ذلك عرفهم.
  وأما ما يشرب بالقسمة للماء فإن كلاً يأخذ مائه كفى أم لم يكف.
(١) وهو ما رواه البخاري في باب المساقاة، أن رجلا من الأنصار، خاصم الزبير عند النبي ÷ في شراج الحرة، التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي ÷، فقال رسول الله ÷ للزبير «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)، فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ÷، ثم قال «اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر»، فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: ٦٥].