شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبهات وردود

صفحة 99 - الجزء 1

  الثابت بالمنفي.

  وبعد فإن المنع إذا لم يكن بطريقة القيد والجنس، كان بالضد أو ما يجري مجرى الضد، فكان يجب كما تعذر على المريض المدنف تحريك نفسه أو المشي لمكان ذلك المنع الذي هو الضد، أن يتعذر علينا أيضا تحريكه، لأن حال الضد معه كحاله معنا، والمعلوم خلاف ذلك. فيجب القضاء بأن هذه المفارقة معللة بأمر راجع إلى الجملة، وهو الذي عبرنا عنه بكونه قادرا.

  فإن قيل: نقلب هذه المسألة عليكم، فنقول: إن من تعذر عليه الفعل إنما تعذر عليه لأمر، والذي صح منه إنما صح لزوال ذلك الأمر، قلنا: صحة الفعل حكم ثابت، فلا يجوز أن يعلل بما يرجع إلى النفي.

  وبعد فلو كان كذلك لوجب في كل من زال عنه ذلك الأمر أن يصح منه ذلك الفعل بعينه، وهذا يقتضي كون المقدور الواحد من قادرين، وذلك محال.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن المريض المدنف إنما تعذر عليه الفعل لرطوبات فاضلة ومواد انصبت إلى آلتي بطشه ومشيه؟ قلنا: إنما نفرض الكلام في مريض غلبت عليه اليبوسة وذبل ذبولا لا إلى حد، فسقط ما أوردتموه.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن من صح الفعل منه إنما صح لأنه صحيح، ومن تعذر عليه إنما تعذر لأنه مريض؟ قلنا: ما تعنون بالصحة؟ فإن أردتم صفة ترجع إلى الجملة لها ولمكانها صح الفعل، فلا خلاف بيننا وبينكم إلا في العبارة، وإن أردتم به التأليف المخصوص فذلك لا يجوز، لأن التأليف حكم يرجع إلى الأجزاء والأبعاض، وقد ذكرنا أن صحة الفعل حكم صدر عن الجملة، فالمؤثر فيه ينبغي أن يكون راجعا إلى الجملة.

  فإن قيل: إنا نعني بالصحة اعتدال المزاج، قلنا: وما تعنون باعتدال المزاج؟ فإن أردتم به صفة ترجع إلى الجملة فهو الذي نقوله، وإن أردتم به اعتدال هذه الطبائع الأربع، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة على ما يقوله الأطباء، فذلك فاسد، لأنها علل متضادة، والعلل الكثيرة المتضادة لا تجتمع على إيجاد حكم واحد، فعلى هذا يجب أن تترتب هذه الجملة.