شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل: في أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي

صفحة 290 - الجزء 1

  فإنه من المتعلقات بالأغيار، وعندكم أنه يتعلق بالضدين، حتى إن العجز عن الشيء عجز عن ضده، ومن هاهنا استدل بعض مشايخنا على أن القدرة صالحة للضدين متقدمة للمقدور، فقال: قد ثبت أن العجز عن الشيء عجز عن ضده فيجب مثله في القدرة لأنهما ضدان، ومن حق الضدين أن يتعلق أحدهما بما يتعلق به صاحبه، ويكون تعلق أحدهما على العكس من تعلق الآخر. إذا ثبت هذا، فلو كان العجز صالحا للضدين والقدرة غير صالحة لهما، لكان لا يمتنع أن يطرأ أحدهما على الآخر فينفيه من وجه دون وجه، وذلك حال. وإذا صح كونها صالحة للضدين، وجب تقدمها للمقدور والإلزام وجود الضدين جميعا.

  ثم يقال لهم: وكيف أجريتم المتعلقات بالأغيار مجرى واحدا مع أن الشهوة والعلم يشتركان في التعلق، ثم إن من حق الشهوة أن لا تتعلق إلا بالمدركات بخلاف العلم والإرادة، فإنهما يتعلقان بالمدركات وقد لا يتعلقان بذلك.

  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: إن القدرة عون على الفعل، فكان يجب أن تكون مقارنة له. قلنا: لا نسلم أن القدرة بمجردها عون، وإنما العون هو التمكين من الفعل وإرادة الفعل، حتى لو يمكن غيره من قتل آدمي بأن يدفع إليه سكينا ولا يريد منه قتله، وإنما دفع إليه ذلك لأن يذبح به بقرة، فإنه متى قتل آدميا لم نقل: إنه أعانه على قتله لما لم يرد منه قتله فلا يصح ما ذكرتموه. وإذ قد صح أن العون ليس هو مجرد القدرة، لم يمكن قياس أحدهما على الآخر. وفي شبههم كثرة، وأكثرها يرجع إلى بعض ما تقدم فاقتصرنا بها.

فصل: في أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي

الإرادة فعل:

  واتصال هذا الفصل بباب العدل ظاهر، فإن الإرادة فعل من الأفعال، ومتى تعلقت بالقبيح فتجب لا محالة، وكونه تعالى عدلا يقتضي أن تنفي عنه هذه الإرادة.

  وقبل البيان في المسألة نبين حقيقة: الإرادة، والكراهة، والمريد، والكاره. ثم نتكلم على إثبات هذه الصفة للّه ø، وفي كيفية استحقاقه له. ثم نتكلم من بعد، فيما يجوز أن يريده اللّه وما لا يجوز.

  فالإرادة هو ما يوجب كون الذات مريدا، والكراهة ما يوجب كونه كارها.