شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فأنذرتكم نارا تلظى

صفحة 488 - الجزء 1

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ:

  وأحد ما يتلقون به قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ}⁣[آل عمران: ٩٧] قالوا بيّن اللّه تعالى أن تارك الحج كافر وفي ذلك ما نريده. قلنا: لا تعلق لكم به فإنه لم يقل وللّه على الناس حج البيت ومن ترك فهو كافر، وإذا أخذتم في تفسيره وحمله على ما تذهبون إليه فسرناه على الحد الذي يوافق الأدلة، فنقول: إن المراد به ومن ترك ذلك على وجه الاستحلال فهو كافر، ولا شك في كفر من هذا سبيله.

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ:

  ومن جملتها، قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ١٠٦}⁣[آل عمران: ١٠٦] قالوا: بيّن أن مسودي الوجوه إنما هم الكفرة، ولا إشكال في كون الفساق من مسودي الوجوه فيجب أن يكونوا كفرة.

  وجوابنا، أن الآية لا تعم سائر الكفرة، لأنه تعالى قال: {أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ}، فما قولكم في الكافر الأصلي؟ وكل ما هو اعتذاركم عن ذلك فهو عذرنا هاهنا، ثم نقول لهم: ليس في تخصيص اللّه تعالى بعض مسودي الوجوه بالذكر ما يدل على أن لا مسودي الوجوه، غيره، فإن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه على ما نسمي مثاله فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.

فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى:

  ومن جملتها، قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ١٤ لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ١٥ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ١٦} قالوا: بين اللّه تعالى أن النار لا يدخلها إلا كافر، وبالاتفاق إن صاحب الكبيرة من أهل النار فيجب أن يسمى كافرا.

  وجوابنا، لا تعلق: لكم بظاهر الآية لأنه قال: {لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ١٥ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ١٦} وليس هذا حال الفاسق، فإذا لو كنا مستدلين بها عليكم لكان أولى.

  وبعد، فأكثر ما فيه أن جهنم نارا لا يصلاها إلا الأشقياء الذين ذكرهم اللّه تعالى، فمن أين أنه ليس هناك نيران أخر يصلاها غير الموصوفين بهذه الصفة، فقد ذكرنا أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.