ما يدخل تحت مقدورنا
  والطعوم، والروائح، والحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والحياة، والقدرة، والشهوة، والنفرة، والفناء. وما من شيء منها إلا ويمكن الاستدلال به على اللّه تعالى ما عدا الفناء، فإن طريق معرفته السمع، وذلك يترتب على معرفة اللّه تعالى.
ما يدخل تحت مقدورنا
  وأما الضرب الذي يدخل جنسه تحت مقدورنا فعشرة أنواع: خمسة من أفعال الجوارح، وخمسة من أفعال القلوب. فالخمسة التي هي من أفعال الجوارح هي:
  الأكوان، والاعتمادات، والتأليفات، والأصوات، والآلام. وأما الخمسة التي هي من أفعال القلوب فهي: الاعتقادات، والإرادات، والكراهات، والظنون، والأنظار. ولا يمكن الاستدلال بها ولا بشيء منها على اللّه تعالى، وذلك لأن من حق الدليل أن يكون بينه وبين المدلول تعلق ليكون بأن يدل عليه أولى من أن يدل على غيره، وهذه الأفعال إذا صح صدورها عن أحدنا كما يصح من اللّه تعالى، فليس بأن تدل عليه أولى من أن تدل على غيره، إلا أن تكون واقعة على وجه لا يصح وقوعها على ذلك الوجه من القادرين بالقدرة، فحينئذ يمكن الاستدلال بها على اللّه تعالى.
الفعل الذي يستدل به على اللّه مع أن جنسه يقع تحت مقدورنا
  فإن قيل: وما ذلك الفعل الذي يمكن الاستدلال به على اللّه تعالى مع أن جنسه يدخل تحت مقدورنا؟ قلنا: أفعال اللّه كثيرة من جملتها العقل، لأنه يمكن الاستدلال به على اللّه تعالى مع أن جنسه وهو الاعتقادات يدخل في مقدورنا - ووجه الاستدلال به أنه لا يخلو؛ إما أن يكون من فعلنا فينا، أو من فعل أمثالنا - لا يجوز أن يكون من فعلنا؛ لأنه يقع أردنا أم كرهنا، ومتى أردنا إيقاعه لم يقع، مع أن من حق القادر على الشيء إذا خلص داعيه إليه أن يقع لا محالة؛ ولا يجوز أن يكون من فعل أمثالنا، لأن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا باعتماد، والاعتماد مما لاحظ له في توليد الاعتقاد، لأنه لو كان كذلك لوجب إذا اعتمد أحدنا على صدر الغير أن يتغير حاله في الاعتقاد، ومعلوم أنه لا يتغير.
  وبعد، فلو كان كذلك لم يكن بأن يولد الاعتقاد أولى من أن يولد ضده، فكان يجب توليد الضدين. وأيضا، فلو كان كذلك لوجب أن يحصل ما لا يتناهى من الاعتقادات إذ لا اختصاص له بالبعض دون البعض، والمعلوم خلافه.