شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

البراهمة

صفحة 380 - الجزء 1

  يحدثه بقوله كن، وهذه طريقته في الإعادة والإفناء، لكنه ليس يلزمه ما يقوله هؤلاء المجبرة بأنه كان يجب أن لا يمكنه إحداث كن إلا بكن آخر ثم كذلك فلا ينقطع، لأن غرضه بذلك أنه تعالى إذا أراد فعلا من الأفعال فإنما يفعله بأن يقول له هذا القول لا أنه لا يقدر على إحداثه إلا بهذه الطريقة، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا قال:

  عطيتي لمن زارني درهم، فكما أنه لا يقتضي ذلك أن يعطي كل من زاره، وإنما يقتضي أنه إن أعطى فإنما يعطي هذا القدر، كذلك في مسألتنا. وكذلك فلو قال: تعظيمي لمن دخل عليّ القيام، فكما أن ذلك لا يقتضي أن يقوم لكل من دخل عليه، وإنما يقتضي أنه إن عظم فإنما يعظم بهذه القدر، كذلك في مسألتنا.

  ما قاله | فهذا هو العذر فيما ذكره، غير أن طريقته هذه غير مرضية، فلو كان ل «كن» أثر في الأحداث، لكان لا يتغير بحسب اختلاف الفاعلين له، بل كان يجب أن يؤثر، سواء فعلناه أو فعله اللّه تعالى، ومعلوم خلافه، فصح لك أن هذه الطريقة غير مستقيمة، وأن الصحيح في هذا الباب هو أنه تعالى إنما يحدث ما يحدثه بكونه قادرا على ما نقوله، فهذه جملة ما يجب أن يحصل في هذا الباب.

الكلام في النبوات

  ووجه اتصاله بباب العدل، هو أنه كلام في أنه تعالى إذا علم أن صلاحنا يتعلق بهذه الشرعيات، فلا بد من أن يعرفناها لكي لا يكون مخلا بما هو واجب عليه. ومن العدل أن لا يخل بما هو واجب عليه.

  وقد بدأ |، بالدلالة على نبوة محمد وعلى آله وسلم لما كان هو المقصود بالباب. وقبل الشروع في ذلك نذكر الخلاف فيه، ونمهد قاعدة تكون توطئة للباب، وجوابا للمخالف.

البراهمة

  واعلم، أن المخالف في هذا الباب جماعة من البراهمة الذين يثبتون الصانع بتوحيده وعدله وينكرون النبوات، ويقولون: إن ما أتى به الأنبياء، نحو أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود، وأعمال الحج نحو التلبية والهرولة ورمي الجمار والطواف، كلها مستقبحة من جهة العقل منكرة، لأن كل عاقل يستقبح بكمال عقله ذلك وينكره، فيجب أن ترد ولا تقبل.