شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الاستدلال على قولهم بالقرآن

صفحة 319 - الجزء 1

  شبهة أخرى لهم في المسألة، وهو أنهم قالوا: أوليس أن إبليس يريد موت الأنبياء ويقبح منه والقديم تعالى يريده ولا يقبح ذلك منه، فهلا جاز مثله في مسألتنا، أن يريد القديم تعالى هذه المعاصي ولا يكون حاله في النقص كحالنا إذا أردناها.

  والأصل في الجواب عن ذلك أن بين الموضعين فرقا، لأنه تعالى إنما يريد إماتتهم لينقلهم من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار الإهانة إلى دار الكرامة ولما علم في ذلك من الصلاح واللطف، وليس كذلك إبليس، فإنه لا يريد هذا الذي يريده على الحد الذي ذكرناه، ففسد ما ظننتموه، وإنما يريد على وجه يقتضي ضعف الإسلام والمسلمين.

  فإن قيل: إنه تعالى إذا أخبر أن فلانا يقتل ظلما فلا بد من أن يريد قتله ظلما، وإلا كان مريدا لأن يكون كاذبا تعالى عن ذلك وفي ذلك ما نريده. قيل له: ليس يجب في أن أخبر عن أمر من الأمور أن يكون مريدا وقوع ما أخبر به لا محالة، فمعلوم أن أحدنا قد يخبر عن أن بعض أعزته يموت أو يموت هو، وإن كان كارها لذلك أشد الكراهة، وقولهم إنه لو لم يرد وقوع ما أخبر عن وقوعه كان قد أراد كونه كاذبا مما لا أصل له، بل إنما يكون قد أراد كونه كاذبا في ذلك أن لو أراد الإخبار عن وقوع ما يعلمه أنه لا يقع، فحينئذ يكون قد أراد تكذيب نفسه، لأن الكذب خبر مخبره لا على ما هو به، فأما إذا أخبر عن وقوع ما يعلمه أنه يقع غير أنه غير مريد وقوعه، فإنه لا يكون مريدا لأن يكون كاذبا، ولهذا يصح أن يكره كونه كاذبا مع إرادته للأخبار عما يعلم وقوعه، ولو كان الأمر على ما ظننتم لكان في هذه الحالة حاصلا على صفتين ضدين.

  يزيد ذلك وضوحا أن النبي أخبر أن حسينا يقتل ولم يرد أن يقتل حسين، وكره أشد الكراهة حتى روي أنه بكى ولم يرد كونه كاذبا، فكيف يصح قولكم أنه إن لم يرد قتله أراد كونه كاذبا.

الاستدلال على قولهم بالقرآن

  وقد تعلقوا بآيات من كتاب اللّه تعالى فيها ذكر المشيئة، نحو قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ}⁣[البقرة: ٢٥٣] وقوله: {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}⁣[الأنعام: ١١١] وقوله: {وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}⁣[الإنسان: ٣٠] وأشباه ذلك.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنا نمنعهم من الاستدلال بالسمع أصلا، فنقول: