لم لا يكون الجسم قد حدث بالطبع
  معدوم، وسنبين في باب الصفات أن المعدوم لا يجوز أن يكون قادرا إن شاء اللّه تعالى.
  وإن أحدثها غيرها فلا يخلو، إما أن تكون من فعل أمثالنا من القادرين بالقدرة، أو من فعل فاعل مخالف لنا.
  لا يجوز أن تكون من فعل أمثالنا من القادرين بالقدرة لأنه لو كان كذلك لصح منا أيضا فعل الجسم، وهذا يوجب أن يصح من الواحد منا أن يخلق لنفسه ما شاء من الأموال والبنين، والمعلوم خلافه.
  فإن قيل: لم قلتم ذلك؟ قيل له: لأن القدرة وإن اختلفت مقدوراتها متجانسة، حتى لا جنس يفعل بقدرة إلا ويصح أن يفعل مثله بقدرة أخرى على ما سنبينه مشروحا في موضعه.
لم لا يكون الجسم قد حدث بالطبع
  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الجسم قد حدث بالطبع؟ قلنا: لأن الطبع غير معقول.
  ثم إنا نقول لهم: وما تعنون بالطبع، أتريدون به الفاعل المختار، أم تريدون به معنى موجبا؟ فإذا أردتم به الفاعل المختار فهو الذي نقوله، وإن أردتم به المعنى الموجب فلا يخلو، إما أن يكون معدوما، أو موجودا.
  لا يجوز أن يكون معدوما لأن المعدوم لاحظ له في الإيجاب.
  وإذا كان موجودا فلا يخلو، إما أن يكون قديما، أو محدثا.
  لا يجوز أن يكون محدثا لأنه يحتاج إلى طبع آخر، والكلام في ذلك الطبع كالكلام فيه فيتسلسل لما لا يتناهى، وذلك محال.
  ولا يجوز أن يكون قديما، لأنه لو كان كذلك للزم قدم العالم، لأن حق المعلوم أن لا يتراخى عن العلة، وقد بينا أن العالم لا يجوز أن يكون قديما.
  فهذه جملة الكلام في هذا الفصل.