فصل في القضاء والقدر:
  وأما الذي يدل على ثبوت التعبد به: الإجماع، وهاهنا أصل آخر، وهو أن ما هذا سبيله من الأخبار فإنه يجب أن ينظر فيه، فإن كان مما طريقه العمل عمل به إذا أورد بشرائطه، وإن كان مما طريقه الاعتقادات ينظر، فإن كان موافقا لحجج العقول قبل واعتقد موجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية وإن لم يكن موافقا لها، فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبي لم يقله، وإن قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول، وفصيل هذه الجملة موضعه أصول الفقه.
فصل في القضاء والقدر:
  وجملة القول في ذلك أن القضاء قد يذكر ويراد به الفراغ عن الشيء وإتمامه.
  قال اللّه تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت: ١٢] وقال: {فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ}[القصص: ٢٩] الآية، وقال أبو ذؤيب:
  وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع التوابع تبع
  وقد يذكر ويراد به الإيجاب. قال اللّه تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}[الإسراء: ٢٣] وقد يذكر ويراد به الإعلام والإخبار كقوله: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ٤}[الإسراء: ٤] واستعماله في هذه الوجوه لا يمنع من أن يكون حقيقة في بعضها متعارفا بها في الباقي، كالإثبات فإنه حقيقة في الإيجاب ثم قد يذكر بمعنى الخبر عن وجود الشيء، وقد يذكر بمعنى العلم.
  وأما القدر فقد يذكر ويراد به البيان، قال اللّه تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ}[النمل: ٥٧] وقال الشاعر.
  واعلم بأن ذا الجلال قد قدر ... في الصحف الأولى التي كان سطر
  أمرك هذا فاجتنب منه التبر وإذا قد عرفت ذلك، وسألك سائل عن أفعال العباد أهي بقضاء اللّه تعالى وقدره أم لا؟ كان الواجب في الجواب عنه أن تقول، إن أردت بالقضاء والقدر الخلق فمعاذ اللّه من ذلك، وكيف تكون أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى وهي موقوفة على قصورهم