شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الأسعار:

صفحة 534 - الجزء 1

  أضعافها لا ليحوزها الجورة والظلمة، فكيف يصح والحال ما قلناه أن يقال: إن التجارة والفلاحة وغيرهما من أنواع الطلب إعانة الظلمة على ظلمهم، على أنا قد ذكرنا في غير موضع أن الإعانة لا تثبت إلا مع الإرادة، وبينا في مثاله أن من رفع سكينا إلى غيره ليذبح بها شاة فذبح به مسلما لم يقل إنه أعانه على قتل المسلم وذبحه، وإن كان هو الذي رفع إليه السكين لهذا الغرض وإنما دفعه إليه لوجه آخر، ففسد هذا الكلام من كل وجه.

  فهذا هو الرزق وما يتعلق به من الأقسام حسب ما يحتمله هذا المكان.

  وقد خالفنا في ذلك بعضهم وقالوا: إن الرزق هو ما يتغذى به ويؤكل، وذلك مما لا وجه له، فإن الأولاد والأملاك أرزاق من جهة اللّه تعالى، ثم لا يقع به الاغتذاء.

  وبعد، فإن الحرام مما يقع به الاغتذاء، ثم لا يجوز أن يكون رزقا.

  فإن قيل: من أين أن الحرام لا يجوز أن يكون رزقا؟ قلنا: لأن اللّه تعالى منعنا من إنفاقه واكتسابه، فلو كان رزقا لم يجز ذلك.

  وبعد، فإن اللّه تعالى قال: {قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا} وأيضا، فإنه تعالى مدحنا بإنفاق ما رزقناه، حيث قال: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} ومعلوم أنه لا يجوز أن يمدح على الإنفاق من الحرام، فصح لنا ما ذكرناه، فهذه طريقة القول فيه.

فصل في الأسعار

  وقد ذكرنا وجه اتصاله بما تقدم.

الأسعار:

  والذي نذكره هاهنا هو أن السعر شيء والثمن شيء آخر غيره، فالسعر هو ما تقع عليه المبايعة بين الناس، والثمن هو الشيء الذي يستحق في مقابله المبيع، ثم إن السعر يوصف بالغلاء مرة وبالرخص أخرى، فالرخص هو بيع الشيء بأقل مما اعتيد بيعه في ذلك الوقت وفي ذلك البلد، والغلاء بالعكس من ذلك. ولا بد من اعتبار البلد والوقت فتأثيرهما مما لا يخفى.