وإن جهنم لمحيطة بالكافرين
  إن أكثر ما في ذلك هو أنه قسم الكلام قسمين فمن أين أنه لا ثالث لهما، وقد ذكرنا أن إثبات صنفين لا يدل على نفي ثالث.
  بيانه، قال اللّه تعالى في قسمة الحيوانات: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ}[النور: ٤٥] ثم لا يدل على أن المشاة لا يخرجون عن هذه الأقسام، كذلك فيما أورده.
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ:
  ومن جملتها قوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ}[العنكبوت: ٥٤] بيّن القديم تعالى أن الذين تحيط بهم النار إنما هم الكفرة، ولا شك أن الفاسق ممن تحيط به النار فيجب أن يكون كافرا.
  والجواب، أن الآية تدل على أن النار محيطة بالكفرة، فمن أين أنها لا تحيط بالفسقة مع الكفرة؟ وفيه وقع الخلاف. يبين ذلك، أن القائل إذا قال: الدار محيطة بالعلماء ليس يجب أن لا يكون في الدار إلا العلماء، بل يجوز ألا يكون فيها العلماء وغير العلماء، كذلك هاهنا.
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ:
  وأحد ما يتعلقون به قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ}، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ} الآية إلى قوله: {أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ١٠٥}[المؤمنون: ١٠٥] قالوا: بين اللّه تعالى أن من خفت موازينه فهو كافر، والمعلوم أن موازين أهل الكبائر قد خفت فيجب أن يكونوا كفرة.
  وجوابنا، أن الذي يقتضيه ظاهر الآية، ليس إلا أن من خفت موازينه فهو خاسر، ونحن نقول: إن صاحب الكبيرة خاسر، ومتى قالوا: إن الآية وردت في شأن الكفار، فقد قال تعالى بعدها: {أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ١٠٥} كان الجواب، أن هذه الآية مستقلة بنفسها منفصلة عما قبلها فكيف يصح ما ذكرتموه؟
  وبعد، فلا خلاف بيننا وبينكم أن صاحب الكبيرة ليس من المكذبين بآيات اللّه تعالى، فكيف يمكن هذا الاستدلال.
  ومن جملة ما يذكرونه، قوله تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} قالوا: يبين اللّه تعالى أنه لا ييأس من رحمة اللّه إلا