شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ثبوت العذاب:

صفحة 493 - الجزء 1

  المعنى الذي قلناه وأنه لا يجوز استعمالها في ما وضعت له في الأصل، وإنما قلنا: إن قولنا مؤمن صار بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم والثواب من جهة اللّه تعالى، وإذا كان كذلك، فلا مانع يمنع من أن تكون هذه اللفظة التي ذكرها في هذه الآيات مبقاة على أصل الوضع، فلا يقدح في كلامنا، وعلى أنه ليس ببعيد أن يكون الغرض بذكر ذلك وعطف ما عطف عليه، وإن كان معناه أو طريقه التفخيم، وصار ذلك كعطفه تعالى جبريل وميكائيل على سائر الملائكة، حيث قال: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} وكعطفه الصلاة الوسطى على الصلوات، في قوله: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}⁣[البقرة: ٢٣٨] وكقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}⁣[الأحزاب: ٧] فهذه جملة الكلام في هذا الفصل.

فصل في عذاب القبر:

  وجملة ذلك أنه لا خلاف فيه بين الأمة، إلا شيء يحكى عن ضرار بن عمرو وكان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة، ولهذا ترى ابن الراوندي يشنع علينا، ويقول: إن المعتزلة ينكرون عذاب القبر ولا يقرون به.

  والكلام فيه يقع في أربعة مواضع:

  أحدهما: في ثبوته.

  والثاني: في كيفية ثبوته.

  والثالث: في الوقت الذي يقع فيه.

  والرابع: في فائدته.

ثبوت العذاب:

  أما ثبوته، فالذي يدل عليه قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا} فالفاء للتعقيب من غير مهلة، وإدخال النار لا وجه له إلا التعذيب، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية، ووجه دلالته على عذاب القبر ظاهر غير أنه يختص بآل فرعون ولا يعم جميع المكلفين.

  والدلالة التي تعم، قوله تعالى: {رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} ولا تكون