فصل حقيقة الألفاظ: - المعونة - اللطف - المصلحة - التوفيق - العصمة.
  اللّه تعالى ومن عنده ومن قبله، وذلك واضح، فإن أفعالهم حدثت من جهتهم وحصلت بدواعيهم وقصودهم، واستحقوا عليها المدح والذم والثواب والعقاب، فلو كانت من جهته تعالى أو من عنده أو من قبله لما جاز ذلك، فإذن لا يجوز إضافتها إلى اللّه تعالى إلا على ضرب من التوسع والمجاز، وذلك بأن تقيد بالطاعات فيقال إنها من جهة اللّه تعالى ومن قبله، على معنى أنه أعاننا على ذلك، ولطف لنا، ووفقنا، وعصمنا عن خلافه.
فصل حقيقة الألفاظ: - المعونة - اللطف - المصلحة - التوفيق - العصمة.
  واتصل بهذه الجملة، الكلام في حقيقة هذه الألفاظ التي هي المعونة واللطف والمصلحة والتوفيق والعصمة.
  اعلم أن المعونة هي تمكين الغير من الفعل مع الإرادة له، ولا بد من اعتبار الإرادة، فإن من دفع إلى غيره سكينا ليذبح بها بقرة أو شاة وأراد منه ذلك، يقال إنه أعانه على ذبح البقرة والشاة لما أراد منه ذلك، وهذا يقوي كلامنا المتقدم، فإنا قد ذكرنا أنه لا يجوز إطلاق القول بأن أفعالنا كلها من جهة اللّه تعالى على معنى أنه أعاننا عليها، لأنه لا يصح أن يقال إنه أعاننا على المعاصي لأنه لم يردها، وإنما يتصور ذلك في الطاعات، فلا جرم أجزنا استعمال هذه الألفاظ إذا أريد بها ذلك المعنى.
  وأما اللطف والمصلحة فواحد، ومعناها ما يختار المرء عنده واجبا أو يجتنب عنده قبيحا على وجه لولاه لما اختار ولما اجتنب، أو يكون أقرب إلى أداء الواجب واجتناب القبيح. ثم إن ما هذا حاله ينقسم إلى ما يكون من فعلنا فيلازمنا فعله سواء كان عقليا أو شرعيا لأنه يجري مجرى دفع الضرر، وإلى ما يكون من فعل القديم جل وعز ولا بد من أن يفعله اللّه تعالى ليكون مزيحا لعلة المكلف ولكي لا ينتقض غرضه بمقدمات التكليف.
  والمفسدة في نقيضة، فإن معناها هو ما يختار المرء عنده قبيحا أو يجتنب واجبا أو يكون أقرب إلى ذلك، وما هذا حاله فلا شك في أنه يجب على اللّه تعالى الامتناع منه، وفي هل يجب المنع منه ينظر، فإن كان من جهة غير المكلف وجب على اللّه تعالى المنع منه بلا خلاف بين شيخينا أبي علي وأبي هاشم، وإن كان من جهة المكلف اختلفا فيه، فعند أبي علي أنه يجب المنع منه كما لو كان من جهة غير