شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ولتصنع على عيني

صفحة 151 - الجزء 1

  عالما لذاته. ثم يقال لهم: الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء والغلبة، وذلك مشهور في اللغة. قال الشاعر:

  فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وكاسر

  وقال آخر:

  قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق

  فالحمد للمهيمن الخلاق فإن قالوا: إنه تعالى مستول على العالم جملة، فما وجه تخصيص العرش بالذكر؟ قلنا: لأنه أعظم ما خلق اللّه تعالى فلهذا اختصه بالذكر.

  وقد قيل: إن العرش هاهنا بمعنى الملك، وذلك ظاهر في اللغة يقال: ثلّ عرش بني فلان، أي إذا زال ملكهم. وفيه يقول الشاعر:

  إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم ... وأودت كما أودت حمير

وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.

  وقد تعلقوا أيضا بقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} قالوا: فأثبت لنفسه العين، وذو العين لا يكون إلا جسما.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن المراد به لتقع الصنعة على علمي، والعين قد تورد بمعنى العلم، يقال جرى هذا بعيني أي جرى بعلمي. ولولا ما ذكرناه وإلا لزم أن يكون للّه تعالى عيون كثيرة، لأنه قال: «بأعيننا» والعلوم خلاف ذلك.

كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

  وقد تعلقوا بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} قالوا: فأثبت لنفسه الوجه، وذو الوجه لا يكون إلا جسما.

  وجوابنا عن هذا، أن المراد به كل شيء هالك إلا ذاته أي نفسه، والوجه بمعنى الذات مشهور في اللغة، يقال: يقال: وجه هذا الثوب جيد، أي ذاته جيدة وبعد، فلو كان الأمر على ما ذكروه، للزم أن ينتفي كل شيء منه إلا الوجه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.