شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

اختلاف أبي علي وأبي هاشم:

صفحة 424 - الجزء 1

  اتفقت على أن من فارق الدنيا مستحقا للعقوبة، لم ينله بعد ذلك. روح ولا راحة، ومتى قيل على الوجه الغالب أن هذا يقتضي الفرار إلى ما فررتم منه، وهو القول بوقوع الإحباط في العوض والعقاب، كان الجواب أن يقال: ولا كذلك، فإنه لو استحق مثلا عشرة أجزاء من العوض لا يسقط بهذا القدر من العقاب إلا وقتا واحدا، خلاف ما لو كان الكلام في الثواب والعقاب فلا يصح ما توهمه.

  فهذا هو الجواب عما أورده من السؤال علي أبي هاشم.

  وأما أبو علي، فقد حكينا عنه التسوية بين العوض والثواب في هذا الباب، ولعله إنما يسوى بينهما من حيث كان يقول: إن العوض يستحق على طريقة الدوام كالثواب، فأما بعد رجوعه عن ذلك فلا يبقى للشبهة في هذه المسألة موقع.

اختلاف أبي علي وأبي هاشم:

  فإن قيل: إذا كان الشيخان لا يختلفان في وقوع الإحباط والتكفير، ففي أي موضع اختلفا في هذه المسألة قلنا في موضعين: أحدهما، أن الإحباط والتكفير إذا وقعا في الطاعة والمعصية أم في الثواب والعقاب، فقال أبو علي: إنهما يقعان في الطاعة والمعصية لأنهما اللذان يصح أن يؤثر أحدهما في الآخر، دون الثواب والعقاب اللذين لا يوجدان معا حتى يصح تأثير أحدهما في الآخر. وقال أبو هاشم: لا بل يقعان في الثواب والعقاب، قال: وذلك لأن الذي أوجب القول في الإحباط والتكفير هو امتناع الجمع بينهما للمنافاة، والذي امتنع الجمع بينهما إنما هو الثواب والعقاب، حيث كان أحدهما مستحقا على سبيل التعظيم والإجلال، والآخر على سبيل الاستحقاق والنكال دون الطاعة والمعصية، فمعلوم أن الجمع بينهما ممكن غير متعذر، فيجب أن لا يقع الإحباط والتكفير إلا في المستحقين على ما ذكرته.

  وقال أيضا: إن الطاعة والمعصية متى خرجتا عن أن يستحق عليهما الثواب والعقاب، كأن تقعا من صبي أو مجنون لم يقع فيهما الإحباط والتفكير، فمتى وقعا على الحد الذي يستحق عليه الثواب والعقاب وقع فيهما الإحباط والتكفير فيجب أن لا يجب إلا في المستحقين، وذلك ظاهر.

  وقال أيضا: إنا لا نعني بالإحباط والتكفير إلا أنه لا يحسن من اللّه تعالى فعل ما كان قبيحا منه، أو يقبح منه فعل ما كان حسنا، فلا بد من أن يقعا فيما يتغير حاله من حسن إلى قبح ومن قبح إلى حسن، دون الطاعة والمعصية فإنهما إذا وقعا لم يتغير