انقسام المجبرة قسمين:
  جعلناها متقدمة لمقدورها صالحة للضدين، ففسد كلامكم بهذا.
  فإن قالوا: إن هاهنا مخصصا وهو الاختيار. قلنا: الاختيار كالمختار في أنه لا يمكن أن يقع إلا بقدرة، وتلك القدرة أيضا صالحة للضدين فتحتاج إلى أمر آخر له ولمكانه يكون ذلك الاختيار بالوقوع أولى مما يضاده، والكلام في ذلك كالكلام في هذا فيتسلسل بما لا يتناهى من الاختيار، واختيار الاختيار، أو ينتهي إلى اختيار ضروري، وذلك يوجب كون الواحد منا في بعض الحالات مدفوعا إلى اختيار ضروري، والمعلوم أنه لا يوجد في شيء من الحالات كونه على هذا الوصف.
  وبعد، فإن الساهي قد عدم منه الاختيار، فيجب أن يوجد منه الضدان وقد عرف فساده.
  وبعد، فإن قدرة الاختيار منفصلة عن قدرة المختار، فكان يجب أن يحصل أحدهما مع فقد الآخر، وهذا يؤدي إلى اجتماع الضدين في بعض الحالات على ما ذكرناه.
  وبعد، فإن الكافر إذا وجد فيه اختيار الكفر وهو موجب للكفر عندهم كان يجب أن يكون تكليفه بالإيمان تكليفا لما لا يطاق، وذلك قبيح.
  فإن قيل: إن الكافر كما يصح منه اختيار الكفر يصح منه اختيار الإيمان. قلنا:
  كيف يصح منه ذلك؟ أيصح منه اختيار الإيمان مع أن فيه اختيار الكفر الموجب له، أو يصح منه ذلك بشرط أن لا يكون كان فيه الكفر واختياره والقدرة الموجبة له؟.
  فإن قيل بالأول، ففي ذلك اجتماع المتضادات وذلك مما لا وجه له، وإن قيل بالثاني، كان ذلك تجويز البدل عن الموجود الحاصل، وذلك محال على ما سنذكره من بعد إن شاء اللّه.
  وهذا إنما ألزمناهم، لأن مذهبهم أن الاختيار كالقدرة في باب الإيجاب.
انقسام المجبرة قسمين:
  - ليس ذلك تكليفا بما لا يطاق - ومنهم من جوز تكليفه بما لا يطاق ثم المجبرة لما ألزمت على القول بأن القدرة مقارنة لقدورها موجبة له أن يكون