شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

استدلال من وجه آخر

صفحة 66 - الجزء 1

  يكون ضده معدوما لذاته وذلك مستحيل، لأن المعدوم ليس له بكونه معدوما حال، فضلا عن أن يكون للذات أو للغير.

  وأما ما يجري مجرى الضد، فلأن ذلك يقتضي أن يحتاج القديم في وجوده إلى شيء ولذلك الشيء ضد، فيقال: إنه جار مجرى الضد له، والقديم ليس يجوز احتياجه في الوجود إلى شيء، لأن ذلك يقدح في قدمه.

  وقد استدل على حدوث الأعراض بأن قيل: إنها تشتمل على المختلف والمتماثل والمتضاد، فلو كانت قديمة لما جاز ذلك لأن القدم صفة من صفات النفس، والاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب التماثل.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتماثل منها قديمة والباقي محدثة؟ قلنا: لأن الطريقة في الجميع واحدة، فلو جاز في بعضها لجاز في كلها.

  فإن قيل: ولم قلتم إن الاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس؟ قلنا: لأن ذلك لو لم يجب لكان لا يمتنع أن تشترك ذاتان في صفة ذاتية وتفترقان في صفة أخرى ذاتية فيكونان من حيث اشتركا في إحدى الصفتين مثلين، ومن حيث افترقا في إحدى الصفتين مختلفين، وذلك يوجب لو قدر طروء الضد عليهما لبقائهما من وجه ولانتفائهما من وجه آخر، وذلك محال.

استدلال من وجه آخر

  وقد استدل على ذلك بوجه آخر، فقيل: إن هذه الصفات الصادرة عن هذه المعاني متجددة فيجب في المؤثر فيها الموجب لها أن يكون متجددا فإذا ثبت تجددها ثبت حدوثها، لأنا لا نعني بالحدوث أكثر من تجدد الوجود. إلا أن هذا لا يعم جميع الأعراض، ولا بد على حدوث ما يوجب لمحله حالا أو حكما، ولا يلزم على هذا القديم وتأثيره في هذه الحوادث، لأنه إنما يؤثر على سبيل الاختيار، وكلامنا فيما يؤثر على طريقة الإيجاب.

  وأحد ما يدل على ذلك، هو أن هذه المعاني تحتاج في وجودها إلى محال محدثة، وما يحتاج في الوجود إلى المحدث حتى لا يوجد من دونه يجب حدوثه.

  وهذا ينبني على أن العلم بحدوث الأجسام غير محتاج إلى العلم بحدوث الأعراض.