شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

وما منع الناس أن يؤمنوا

صفحة 242 - الجزء 1

وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا.

  ومن جملتها، قوله تعالى: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى}⁣[الإسراء: ٩٤] فلو كان الإيمان من جهة اللّه تعالى وموقوفا على اختياره، حتى إن خلق كان، وإن لم يخلق لم يكن، لكان لا يكون لهذا الكلام معنى، لأن للمكلف أن يقول: الذي منعني منه أنك لم تخلقه فيّ، وخلقت في ضده الذي هو الكفر، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا شديدي غلامه إلى رجليه، ويطرحه في مقر بيت مظلم، ويغلق عليه الأبواب، ويقول: يا شقي لم لا تخرج من هذا البيت، وما منعك منه؟ فكما أن هذا سخف منه، كذلك في مسألتنا.

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.

  ومن ذلك أيضا، قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ} أورد ذلك متعجبا منهم في الكفر، مع ماله ø عليه من النعم. ولو كان كما قالوه لم يكن للاستعجاب موضع ولكان بمنزلة قوله كيف تسودون، وقد أنعمت عليكم وفعلت وصنعت، فكما أن ذلك مما لا وجه له لما لم يكن الاسوداد متعلقا بهم وموقوفا على اختيارهم، وكذلك في مسألتنا.

  على أن مع هذا المذهب لا يثبت للّه تعالى نعمة على الكفار، لا نعمة الدين ولا نعمة الدنيا. أما نعمة الدين فلا إشكال فيه، لأنه قد خلق فيهم الكفر، والقدرة الموجبة له، وسلبهم الإيمان وقدرته وإرادته، وجعلهم من الأشقياء، فكيف يثبت له عليه نعمة.

  وأما نعمة الدنيا، فلأن هذه المنافع وإن كانت تصل إليهم في الحال، فإنها من حيث توصلهم إلى النار الأبد، والعقاب السرمد، بمنزلة الخبيص المسموم الذي يؤدي إلى الهلاك، فكما أن من قدمه إلى غيره لا يكون منعما بذلك عليه، كذلك في هذا الموضع. وأيضا فلا بد من أن يكون غرض الموصل النفع إلى الغير نفعه، حتى يكون منعما عليه، وعلى مذهبهم لا يعلم أن غرض القديم تعالى بذلك نفع الكافر، بل من المجوز أن يكون ذلك لكي يكون أدخل في إضلاله وإغوائه، فمتى تثبت للّه والحال هذه نعمة على الكفار بل على المؤمن أيضا؟.

جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

  ومن ذلك، قوله: {جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ٢٤} وقوله: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ٦٠}⁣[الرحمن: ٦٠] فلو لا أنا نعمل ونصنع، وإلا كان هذا الكلام كذبا، وكان