فصل معجزات الرسول
  الوجه، فمعلوم أنه لو قال له: إذا زالت الشمس فاشتر اللحم، ثم قال بعده: ولا تشتر السمن والإقط، أو قال: إذا زالت الشمس فافعل الفعل الفلاني، ثم قال بعده: إذا أصبحت فلا تفعل الفعل، فإنه لا يكون بداء البتة لتغاير أحد هذه الوجوه الأربعة.
  وإذ قد تقرر هذا لديك وأحطت به علما، فقد استبان لك الفرق بين النسخ والبداء، وعلمت أن النسخ لا يتناول عين ما كانت ثابتا، ولا المكلف الذي كان مكلفا بذلك الفعل في أغلب الأحوال، فهذه جملة الكلام في هذا الفصل.
فصل معجزات الرسول
  فإن قيل: ما دليلكم على نبوة محمد ﷺ وهذا كان مقصودكم بكل ما قدمتموه؟
  قيل له: الدليل على نبوته أنه قد ادعى النبوة وظهر عليه المعجز عقيب دعواه، وقد بينا أن المعجز يدل على صدق ما ظهر عليه إذا كان الحال ما ذكرناه.
  فإن قيل: وما المعجز الذي ظهر على محمد؟ قلنا: معجزات كثيرة، من جملتها القرآن.
وجه الإعجاز في القرآن
  فإن قيل: وما وجه الإعجاز في القرآن؟ قلنا: هو أنه تحدى بمعارضة العرب مع أنهم كانوا هم الغاية في الفصاحة، والمشار إليهم في الطلاقة والذلاقة، وقرعهم بالعجز عن الإتيان بمثله فلم يعارضوه وعدلوا عنه، لا لوجه سوى عجزهم عن الإتيان بمثله.
  ولا يمكنك أن تعرف صحة هذه الجملة إلا إذ عرفت وجود محمد ﷺ، وأنه قد ادعى النبوة، وظهر عليه القرآن، وسمع منه ولم يسمع من غيره، وأنه تحدى العرب بمعارضته وقرعهم بالعجز عن الإتيان بمثله فلم يأتوا به، لا لوجه سوى عجزهم وقصورهم عن الإتيان بمثله، فمتى عرفت هذه الوجوه كلها كنت عارفا بنبوة محمد ﷺ.
  أما وجوده، وادعاء النبوة، وأن القرآن معجز ظهر عليه وسمع منه ولم يسمع من غيره فمعلوم ضرورة، ولا مانع يمنع من حصول العلم بهذه الأشياء وما جانسها اضطرارا، فإن العلم بالملوك والبلدان وبكون المصنفات منسوبة إلى مصنفها ضرورة.