شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ومن لم يحكم بما أنزل الله

صفحة 487 - الجزء 1

  المقبحات، بل الشرع جعله اسما لمن يستحق العقاب العظيم ويجرى عليه أحكام مخصوصة على ما تقدم، وليس كذلك حال الفاسق فإنه لا يستحق العقاب على هذا الحد ولا يجري عليه هذه الأحكام، ففارق أحدهما الآخر، فهذه شبهة عقلية.

  ولهم شبه من جهة السمع كثيرة، ويجري الجواب عنها أو عن أكثرها على نمط واحد. من جملتها: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} قالوا: بيّن اللّه تعالى أنه لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك، وقد اتفقنا على أن الكبائر غير مغفورة فيجب أن تكون ممدودة في الشرك، وفي ذلك ما نقوله.

  ومتى قلتم: إن الآية مجملة مفتقرة إلى البيان، فإننا لا ننازعكم في ذلك بل نقول: إن قد اتفقنا على أن التي تقع مغفورة إنما هي الصغائر دون الكبيرة، فيجب أن تكون الكبائر ملحقة بالقبيل الذي لا يغفره اللّه تعالى وهو الشرك.

  قيل لهم: إن هذا الذي ذكرتموه إنما وجب إن لو ثبت أنّ الشرك إنما يكون شركا لأنه غير مغفور، حتى يصح القياس عليه فيقال: والكبيرة أيضا غير مغفورة فيجب أن تكون شركا، وليس كذلك، فلا يصح هذا الاستدلال.

  وبعد، فليس تميز الكبيرة عن الصغيرة بكونه غير مغفور، فإن صغيرة الكفار غير مغفورة ثم لم تكن كبيرة، فكيف يصح هذا الكلام؟

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ:

  ومن جملتها، قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ}⁣[المائدة: ٤٧] قالوا: وهذا نص صريح في موضع النزاع.

  وجوابنا، لا تعلق لكم بظاهر هذه الآية لأنه يقتضي أن لا يكون في العالم كافر لأن «ما» موضوع أيضا للعموم والاستغراق، كما أن «من» موضوع أيضا للعموم، فكأنه قال: ومن لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون، فلا بد أن يعدل عن الظاهر، وإذا عدلتم عن الظاهر، فلستم بالتأويل أولى فنتأوله على وجه يوافق الأدلة.

  فنقول: إن المراد به، ومن لم يحكم بما أنزل اللّه على وجه الاستحلال فهو كافر، ولا خلاف فيه.

  وبعد، فإن الآية وردت في شأن اليهود، ولا شك في كفر اليهود.