شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

من شبههم السمعية

صفحة 139 - الجزء 1

  يقتضي أن لا تتميز العلة عن المعلل به، ومن شأن ما نجعله علة أن يكون متميزا من المعلل به، بل ما قلناه أولى لأن في هذا اتباع الصفة للعلة، وما ذكروه اتباع العلة للصفة وذلك عكس الواجب.

  وأما ما قالوه من أنه لو كان عالما لمعنى لوجب في ذلك المعنى أن يكون بصفة العلم، وكذلك إذا كان عالما لذاته وجب في ذاته أن تكون بصفة العلم، فذلك جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما فلا يقبل.

  ثم يقال لهم: أليس أنه تعالى لو كان عالما لمعنى لكان ذلك المعنى قد أوجب الحكم لغيره، وكان علة فيه ولم يلزم ذلك إذا كان عالما لذاته، فكيف يصلح ما ذكرتموه، وهل هذا إلا كأن يقال: الجوهر لو كان جوهرا لمعنى، لكان لا بد لذلك المعنى من أن يكون على صفة من الصفات، لها لمكانها يوجب تلك الصفة، فكذلك الآن وهو جوهر لذاته وجب في ذاته أن يكون بصفة ذلك المعنى، فكما أن ذلك خلف من الكلام كذلك في مسألتنا.

من شبههم السمعية

  وللمخالف في هذا الباب شبه من جهة السمع، قد تعلقوا بها قد ذكرناه، وبعضها نذكره الآن.

  ممن جملة ما لم نذكره، تعلقهم بقوله اللّه سبحانه: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}⁣[النساء: ١٦٦] وقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ}⁣[البقرة: ٢٥٥] وقوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ}⁣[الأعراف: ٧] وهذا يدل على أنه تعالى عالم بعلمه.

  وربما يستدلون بالسمع على إثبات القدرة للّه تعالى، فيقولون: وإنه تعالى قال:

  {وَالسَّماءَ بَنَيْناها} بأييد {(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)}⁣(⁣١) [الذاريات: ٤٧] أي بقوته، وقال: {هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة غير ممكن، لأن صحة السمع ينبني على كونه عدلا حكيما، وكونه حكيما ينبني على أنه تعالى عالم لذاته، فكيف يصح ذلك؟


(١) في المطبوعة (وإنا لمرسلون) وهو خطأ.