شبه المخالفين من جهة العقل
  ضرورة فلا يكون حالهم وحال المؤمنين سواء، لأن المؤمنين إذا عرفوا اللّه تعالى ضرورة، وعلموا دوام ثوابهم، ازدادوا فرحا وسرورا، ويكون عيشهم أهنأ وأرغد، وليس كذلك حال المنافقين، لأنهم إذا عرفوا اللّه تعالى ضرورة، وعلموا دوام عقابهم، ازدادوا غما وحسرة، وكانوا في عقوبة وعذاب.
  فإن قالوا: الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين، نحو رأيت فلانا فاضلا، ولا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه إلا إذا كان بمعنى المشاهد، قلنا: لا يمتنع أن يكون الأصل ما ذكرتموه، ثم يقتصر على أحد مفعوليه توسعا ومجازا، كما أن همزة التعدية إذا دخلت في الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين، يقتضي تعديه إلى ثلاثة مفعولين، ثم قد يدخل على الفعل الذي هذا حاله ويقتصر على مفعولين، ولهذا قال تعالى: {وَأَرِنا مَناسِكَنا}[البقرة: ١٢٨] فأدخل الهمزة على الرؤية واقتصر على مفعولين على أن حال الرؤية إذا كانت بمعنى العلم ليس بأكثر من معنى حال العلم، ومعلوم أنهم يقتصرون في العلم على أحد مفعولين فيقولون أعلم ما في نفسك، ولهذا قال تعالى: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] فإن قال: إن العلم هاهنا بمعنى المعرفة، فلهذا جاز أن يقتصر على أحد مفعولين؟ قلنا: فارض منا يمثل هذا الجواب، فنقول: إن الرؤية في الخبر بمعنى المعرفة، لأن المراد بقوله: سترون ربكم يوم القيامة، أي ستعرفون ربكم يوم القيامة كما تعرفون القمر ليلة البدر، فلا يجب أن يتعدى إلى مفعولين.
شبه المخالفين من جهة العقل
  وللمخالف في هذا الباب شبه من جهة العقل من جملتها، قولهم: إن القديم تعالى عندكم راء لذاته فيجب أن يرى نفسه فيما لم يزل، وإلا خرج عن كونه رائيا لذاته، وكل ما قال إنه يرى نفسه قال إنه يراه غيره.
  قلنا: لنا في هذه المسألة طريقان: أحدهما، هو أن يقول: إنا لا نسلم أنه راء لذاته، بل القديم تعالى إنما يرى الشيء لكونه حيا بشرط وجود المدرك، وكونه حيا من مقتضى صفة الذات، وكونه مدركا من مقتضى صفة الذات، فكيف يصح أن يقال إنه ø راء لذاته؟
  والطريقة الثانية، هو أن نقول: هب أن اللّه تعالى راء لذاته، أليس أنه ø لا يجب أن يرى المعدومات مع كونه رائيا لذاته؟ فإن قالوا: إنما لا يجب أن يرى