شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مخالفته للجاحظ والأسواري:

صفحة 25 - الجزء 1

  فموضعه باب نفي الرؤية، والذي يختص هذا الوضع الكلام في أنه لا يجوز أن يعرف ضرورة.

  وهذه مسألة خلاف بين الناس. فعندنا، أنه تعالى لا يعرف ضرورة في دار الدنيا، مع بقاء التكليف.

مخالفته للجاحظ والأسواري:

  وقد خالفنا في ذلك أصحاب المعارف، كالجاحظ وأبي علي الأسواري. وقولنا في دار الدنيا مع بقاء التكليف، هو، لأن المحتضر وأهل الآخرة يعرفون اللّه تعالى ضرورة.

مخالفته لأبي القاسم البلخي:

  وقد خالف فيه أبو القاسم البلخي وقال: إنه تعالى كما يعرف دلالة في دار الدنيا، فكذلك في دار الآخرة لأن ما يعرف دلالة لا يعرف إلا دلالة، كما أن ما يعرف ضرورة لا يعرف إلا ضرورة. وقد حكي عن بعض المتأخرين، أظنه المؤيد باللّه قدس اللّه روحه، أنه يجوز أن يكون من المكلفين من يعرف اللّه تعالى ضرورة في دار الدنيا مع بقاء التكليف، كالأنبياء والأولياء والصالحين.

عودة إلى الأدلة على أن اللّه لا يعرف ضرورة:

  والذي يدل على أن العلم باللّه تعالى ليس بضروري وإنما هو اكتسابي، ما قد ثبت أنه يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة، فيجب أن يكون متولدا عن نظرنا، وإذا كان كذلك فالنظر من فعلنا فيجب أن تكون المعرفة أيضا من فعلنا، لأن فاعل السبب ينبغي أن يكون فاعل المسبب، فإذا كان من فعلنا لم يجز أن يكون ضروريا، لأن الضروري هو ما يحصل فينا لا من قبلنا.

  ويدل على ذلك أيضا، هو أنها تقع بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا فلولا أنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا وإلا لما وجبت فيها القضية، وهذا أصل دليلنا في خلق الأفعال فإنا نقول بأن تصرفاتنا تقع بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا، فلولا أنها محتاجة إلينا، ومتعلقة بنا، وإلا لما وجبت فيها هذه القضية، كما في تصرف الضرب واللون.