شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

النظر في طريق معرفة الله من الواجبات التي لا ينفك عنها المكلف بوجه من الوجوه

صفحة 38 - الجزء 1

  وليس كذلك. فإن من دخل زرع الغير ثم توجه عليه التكليف يلزمه الخروج عنه كما يجب عليه النظر، هذا بقلبه، وذلك بجارحته. وكذلك من كان عليه دين، أو عنده وديعة ثم توجه عليه التكليف فإنه يلزمه الخروج عن عهده، وذلك كما يلزمه النظر.

النظر في طريق معرفة اللّه من الواجبات التي لا ينفك عنها المكلف بوجه من الوجوه

  والدليل على ذلك، أن سائر الواجبات إما أن تتأخر عن معرفة اللّه تعالى أو يجوز انفكاك المكلف عن وجوبه عليه. وكلامنا فيما لا ينفك المكلف عنه بوجه من الوجوه.

  وبيان ذلك: أن الواجبات على ضربين: عقلي وشرعي، فالعقليات نحو رد الوديعة وقضاء الدين وشكر النعمة، فما من شيء منها إلا ويجوز انفكاك المكلف عنه بحال من الأحوال، وأما الشرعيات، فالشرط فيها إيقاعها على وجه القربة والعبادة إلى اللّه تعالى، وذلك لا يحسن إلا بعد معرفة اللّه تعالى.

  فإن قيل: كيف يصح قولكم: إنه لا يجوز أن ينفك عن وجوب شكر النعمة عليه؟

  قلنا: لأن النعمة لا يخلو أن تكون من قبل اللّه تعالى؛ وشكر نعمة اللّه تعالى لا تجب إلا بعد معرفته وتوحيده وعدله، وأنه قصد بذلك الإحسان إليه، وإما أن تكون من قبل الآدميين؛ فالآدمي إما أن يكون أجنبيا ولا شك في جواز انفكاكه عن وجوب شكر نعمة الأجنبي عليه، وبقي أن يقال إنه لا يجوز أن ينفك عن وجوب شكر أبويه عليه، وهذا فغير ممتنع أن يكون غرضهما بالمقاربة قضاء الوطر وتنفيذ الشهوة فلا يلزمه شكرهما.

  فأن قيل: أليس المكلف إذا علم قبح الظلم والكذب وغيرهما من القبائح يلزمه الاجتناب عنهما فهلا جعلتموه أول الواجبات؟ قلنا: كلامنا فيما يلزم المكلف فعله والظلم والكذب وغيرهما من القبائح ليس بهذه المرتبة، فإن أحدنا يمكنه الاجتناب عن القبائح وإن لم يفعل فعلا.

  فإن قال: هذا لا يمكن، لأن القادر بالقدرة لا ينفك عن الأخذ والترك، قلنا:

  هذا أصل فاسد عندنا، والدليل على ذلك ما ذكره شيخنا أبو إسحاق ابن عياش، وهو أن أحدنا لا يريد تصرفات الناس في الأسواق ولا يكرهها، فقد خلا عن الشيء وعن ضده.