شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

كيف يعلم غير العرب إعجاز القرآن.

صفحة 401 - الجزء 1

  من العلم بتلك الصناعة.

  فإن قيل: هب أن القرآن معجزة، وأن العرب علموا إعجازه لعلمهم بأنه قد تناهى في الفصاحة حدا، وأنتم فبأي طريق علمتم معناه فيه يا معشر العجم.

كيف يعلم غير العرب إعجاز القرآن.

  قلنا: إن العلم بذلك على وجهين: أحدهما علم تفصيل، والآخر علم جملة، والعرب علموا ذلك على سبيل التفصيل، ونحن فقد علمناه على سبيل الجملة.

  وطريقته، هو أن محمدا تحدى العرب بمعارضته فلم يمكنهم الإتيان بمثله، فلو لا كونه معجزا دالا على نبوته، وإلا لما كانت ذلك كذلك.

  وإذ قد ثبت إعجاز القرآن، فاعلم أن للمصطفى # معجزات أخر سواه، غير أنا بدأنا بالقرآن الذي لا يبلى على وجه الدهر ولا يندرس على مرور الأيام، لما كان أظهر من سائر ما نورده في هذا الباب، ولا يمكن المخالف إنكاره بوجه.

بقية معجزات الرسول

  وجملة ما له من المعجزات سوى القرآن ينقسم إلى: ما يعلم ضرورة، وإلى ما يكون الطريق إليه الاستدلال.

  ولا يمكن أن يقال: لو كان في معجزاته ما يعلم ضرورة لاشترك فيه المخالف والموافق ولعلمه كل عاقل، فإن هذا هو الواجب في الضروريات، لأن العلوم الضرورية تنقسم إلى: ما يكون من بداية العقول فيجب اشتراك العقل فيه، وإلى ما يكون مستندا إلى طريقة نحو العلم بمخبر الأخبار، ونحو العلم بالمدركات وغيرهما، فإن ما هذا سبيله إنما يجب الاشتراك فيها عند الاشتراك في طريقه، ولهذا الذي ذكرناه جاز في أصحاب الحديث أن يعلموا تقدم بعض غزوات النبي على البعض ضرورة، وإن كان لا يجب أن يعلمه كل واحد، وهذا ظاهر لا إشكال فيه. إذا ثبت هذا، فمن معجزاته التي تعد من الضرب الأول: إشباعه العدد الكبير والجم الغفير من الطعام اليسير، وإشباع جماعة من الطعام لا يمكن إلا بزيادة أجزاء الطعام، وذلك مما لا يمكن من القادرين بالقدرة، بلا بد من أن يكون من جهة اللّه تعالى، أظهره عليه ليدل على صدقه #.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن الهواء استحال طعاما، لا أنه كثرت أجزاؤه.