شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

تحدي العرب بالقرآن

صفحة 396 - الجزء 1

  وأما تحديه العرب بمعارضته القرآن، وتقريعه إياهم بالعجز عن ذلك، ففي أصحابنا من جعل العلم به ضروريا، ومن جعله مكتسبا. ومن جعله مكتسبا قال: ليس المرجع بالتحدي إلا أن يعتقد أن له مزية على غيره بسبب ما معه، وهذا كان حال النبي # مع القوم، فكان يعتقد أنه خير الناس لمكان ما جاء به من القرآن، فكيف يمكن إنكار أنه لم يتحداهم بمعارضته ولم يقرعهم بالعجز عن الإتيان بمثله؟

تحدي العرب بالقرآن

  وأيضا، فكتاب اللّه تعالى مشحون بآيات التحدي، نحو قوله ø: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ}⁣[الإسراء: ٨٨] الآية. وقوله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ}⁣[هود: ١٣] وقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}⁣[يونس: ١٠] إلى غير ذلك من الآيات التي معناها معنى هذه الآيات.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن هذه الآيات التي هي آيات التحدي زيدت في القرآن.

  وجوابنا، لو أمكن أن يقال في هذه الآيات إنها مزيدة لأمكن أن يقال في قوله:

  {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ}⁣[البقرة: ٤٣] وقوله: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ}⁣[المائدة: ٦] وغيرهما من الآيات، حتى يجوز ذلك في سائر القرآن، ومعلوم فساده.

  وأيضا، فإن هذه الآيات مسموعة الآن والتحدي قائم على وجه الدهر، وفي الفصحاء كثرة في هذه الأزمان فيجب أن يأتوا بمثله، ومتى قالوا: إن الفصاحة تناقصت الآن كالشعر، قلنا: إن أمكن أن يقال ذلك في الشعر فلا يمكن في الفصاحة، ففي خطباء هذه الأزمنة من لا يداني كلامه كلام أفصح فصيح في ذلك الزمان. فهذا وأصل بن عطاء ربما تفي خطبة من خطبه بكثير من كلام فصحاء أولئك العرب، وهذا أبو عثمان عمرو بن عبيد، ففصل من كلامه ربما يزيد على كلام أبينهم كلاما وأجزلهم لفظا وأفصحهم كلاما، فكيف يصح ما ذكرتموه.

ترك العرب معارضة القرآن

  وأما ترك العرب معارضة القرآن، وعدولهم عنه إلى المقاتلة فظاهر أيضا، فإنهم حين أحسوا من أنفسهم العجز عن الإتيان بمثل القرآن، تركوه إلى المقاتلة، وذلك يؤذن بعجزهم عن ذلك، وإلا فالعاقل إذا أمكنه دفع خصمه بأيسر الأمرين لا يعدل عنه