شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

تكليف من المعلوم من حاله أنه يكفر

صفحة 345 - الجزء 1

  بالتكليف إلى درجة لا تنال إلا به.

  واتصل بهذه الجملة الكلام في أن الثواب لا يجوز الابتداء بمثله.

  والذي يدل على ذلك، هو أن الثواب نفع عظيم يستحق على طريق التعظيم، وما هذا حاله لا يحسن الابتداء بمثله، ألا ترى أنه لا يحسن من أحدنا أن يعظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والده، ولا أن يعظم والده على الحد الذي يعظم النبي، وإنما لا يحسن ذلك لعدم الاستحقاق، وإنما يستحق على هذا الوجه لا يجوز التفضل به ولا الابتداء بمثله فإن قال: لو كان الغرض بالتكليف الوصول إلى الثواب لكان يجب في من المعلوم من حاله أنه لا يصل إلى الثواب أن لا يحسن تكليفه.

تكليف من المعلوم من حاله أنه يكفر

  والجواب، إنا لم نقل إن الغرض بالتكليف إنما هو الوصول إلى الثواب، وإنما الغرض في ذلك تعريض المكلف إلى درجة لا تنال إلا بالتكليف، وذلك ثابت في من المعلوم من حاله أنه يصل إلى الثواب ومن المعلوم من حاله أنه لا يصل على سواء، واتصل بهذه الجملة الكلام في تكليف من المعلوم من حاله أن يكفر.

  وللجهل بوجه حسن هذا التكيف وقبحه ضل كثير من الناس، حتى أن الملحدة تدرجوا بذلك إلى نفي الصانع، وقالوا: لو كان هاهنا صانع حكيم لما صدر من جهته مثل هذا التكليف.

  وجعلت المجبرة هذه المسألة من أعظم شبههم في الجبر وإضافة القبائح إلى اللّه تعالى، وقالوا إن هذا التكليف قبيح لا محالة، وقد حسن من اللّه تعالى، وكذلك الحال في سائر القبائح.

  والأصل في هذا أن نعلم أن من خالفنا إما أن يكون مقرا بالصانع أو منكرا، ولا معنى لمكالمة من أنكر الصانع في هذه المسألة كما لا يحسن أن نكالم اليهود في المسح على الخفين مع إنكارهم النبوة، وإذا كان من المقرين بالصانع، فالكلام عليه إما أن يكون على الجملة، أو على التفصيل.

  وطريقة الجملة في هذا، هي أن نقول: إن هذا التكليف صدر من جهة اللّه تعالى، وقد ثبت عدله وحكمته وأنه لا يختار القبيح ولا يفعله، فلا بد أن يكون حسنا،