شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه البغداديين:

صفحة 437 - الجزء 1

شبه البغداديين:

  وأما شبه البغداديين في هذا الباب فهو أن قالوا: إن العقاب لطف من جهة اللّه تعالى، واللطف يجب أن يكون مفعولا بالمكلف على أبلغ الوجوه، ولن يكون كذلك إلا والعقاب واجب على اللّه تعالى، فمعلوم أن المكلف متى علم أنه يفعل به ما يستحقه من العقوبة على كل وجه، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر.

  وربما يؤكدون ذلك بقولهم: إن العقاب إذا كان لطفا للمكلف فلا بد من أن يعرفه اللّه تعالى أنه يفعله به، وإلا كان مخلا بما وجب عليه.

  والأصل في الجواب عن ذلك، هو أن يقال لهم: إن اللطف يجب أن يفعل بالمكلف على أبلغ الوجوه على ما ذكرتموه، ولكن إذا كان ممكنا، وهاهنا لا يمكن، لأنه لا حالة إلا والفاسق يجوز أن يتوب إلى اللّه تعالى، ويندم على ما أتى به ويقلع عنه، فكيف يمكن تعريفه أنه يفعل به العقوبة لا محالة. لولا صحة هذه الجملة، وإلا كان يجب أن يعرف أن توبته لا تقبل إذا أقدم على الكبيرة وإن بالغ في الإنابة وبذل الجهد في تلافي ما وقع منه، فمعلوم أن هذا في باب اللطف أقوى، ومتى قيل: إن ذلك غير ممكن فلا يجوز، قلنا: فهلا رضيتم منا بمثله.

  وبعد، فإن اللطف هو ما ثبت له حظ الدعاء والصرف، ولاحظ للعقاب في ذلك، وإنما الذي يثبت له هذا الحظ هو العلم باستحقاق العقاب، فكيف يصح ما ادعوه.

فصل

استحقاق الفاسق للعقوبة:

  وقد ذكر | بعد هذه الجملة أن الفاسق يفعل به ما يستحقه من العقوبة، وعطف على ذلك القول في أنه يستحق العقوبة.

  والترتيب الصحيح في ذلك، هو أن نذكر أولا أنه يستحق العقوبة، ثم ترتب عليه الكلام في أنه يفعل به ما يستحقه.

  والذي يدل على أن الفاسق يستحق العقوبة قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما}⁣[المائدة: ٣٨] الآية، ووجه الاستدلال به، هو أنه تعالى أمر بقطع يد السارق عند حصول الشرائط المعتبرة في هذا الباب عن طريق الجزاء والنكال، فيجب