شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل

صفحة 516 - الجزء 1

  داعيا إلى الفساد، وعلى هذا فإن أبا جهل لما بعث إليه النبي ، كان قد بلغ في العناد وترك الاستسلام والانقياد كل مبلغ ولم يطع كغيره وكذا الحال في غيره من الكفرة.

  وبعد، فهذا الكلام يوجب على قائله وجود الأئمة الكثيرة، فإن هذا الغرض لا يندفع بإمام واحد والناس في العالم مفترقون، بل الواجب أن ينصب في كل محلة إمام، ليكون أهل تلك المحلة إلى الطاعة أقرب، انقيادا له وطاعة لرضاه، وفي ذلك الفساد ما لا يخفى على أحد.

فصل

  اعلم أنا قد قدمنا الكلام في طريق الإمامة واختلاف الأقوال فيها، غير أنا نعيده هاهنا على نوع من الاختصار، ونضم إليه ما يشذ ويسقط، فنقول:

  إن الزيدية اتفقوا على أن الطريق إلى إمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسين $ النص الخفي، وأن الطريق إلى إمامة الباقين الدعوة والخروج. ثم اختلفوا في أنه هل يجب تفسيق من أنكر النص على هؤلاء الثلاثة؟ فقال بعضهم:

  يجب تفسيقه وهم الجارودية، وقال آخرون لا يجب وهم الصالحية.

  وأما الإمامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الاثني عشر النص الجلي الذي يكفر من أنكره، ويجب تكفيره، فكفروا لذلك صحابة النبي #.

  وقد وافقتهم البكرية والكرامية في أن طريق الإمامة إنما هو النص، غير أنهم ذهبوا إلى أن المنصوص عليه بعد النبي # أبو بكر، وإليه ذهب الحسن البصري.

  واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}⁣[الفتح: ١٦] فيقولون: إنه ورد في أبي بكر، فهو أول من دعا إلى أهل الردة بعد رسول اللّه ، وذلك مما لا يسلم لهم أن المراد به أبو بكر، بل الصحيح أنه في عليّ # ودعائه إلى قتال من قاتلهم من القاسطين والمارقين والناكثين.

  ومتى قيل: إن الآية تقتضي إمامة من دعا إلى قتال الكفرة وعليّ لم يدع إلا إلى قتال أهل القبلة من أهل البغي، قلنا: ليس في قوله تعالى: {أَوْ يُسْلِمُونَ} ما ظننتموه.