شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ما يلزم معرفته في هذا الباب

صفحة 118 - الجزء 1

  وتحرير الدلالة على ذلك، هو أنه تعالى لو لم [يكن]⁣(⁣١) قديما لكان محدثا، لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين، فإذا لم يكن على أحدهما كان على الآخر لا محالة. فلو كان القديم تعالى محدثا لاحتاج إلى محدث، وذلك المحدث إما أن يكون قديما أو محدثا، فإن كان محدثا كان الكلام في محدثه كالكلام فيه، فإما أن ينتهي إلى صانع قديم على ما نقوله، أو يتسلسل إلى ما لا نهاية ولا انقطاع من المحدثين ومحدثي المحدثين، وذلك يوجب أن لا يصح وجود شيء من هذه الحوادث، وقد عرف خلافه.

  فإن قيل ومن أين ذلك؟ قلنا: لأن ما وقف وجوده على وجود ما لا انقطاع له ولا تناهي لم يصح وجوده، ويقتضي ما ذكرناه من استحالة حدوث شيء من هذه الحوادث. ألا ترى أن أحدنا لو قال لا آكل هذه التفاحة ما لم آكل تفاحات لا تتناهى، لم يصح أكله لهذه التفاحة قط، لما وقف ذلك على وجود ما لا يتناهى.

  كذلك لو قال إني لا أدخل هذه الدار حتى أدخل دورا لا تتناهى، فإنه لا يدخلها البتة لما ذكرناه، فلما وجدت هذه الحوادث صح أنها مستترة إلى صانع قديم تنتهي إليه الحوادث على ما نقوله.

  وقد قيل: إنه لو لم يكن صانع العالم قديما لكان محدثا، لأن الموجود إما قديم وإما محدث، ول؟ كان محدثا لم يصح منه فعل الجسم، لأن المحدث لو قدر لم يقدر إلا بقدرة، والقدرة لا يصح بها فعل الجسم، فيجب أن يكون قديما.

ما يلزم معرفته في هذا الباب

  وأما الذي يلزمك معرفته في هذا الباب، فقد ذكرناه في باب كونه موجودا، لأن المرجع بالقدم ليس إلا إلى استمرار الوجود، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.

فصل والغرض به الكلام في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفات

  والأصل في ذلك، أن هذه مسألة خلاف بين أهل القبلة.

  فعند شيخنا أبي علي أنه تعالى يستحق هذه الصفات الأربع التي هي كونه قادرا عالما حيا موجودا لذاته.


(١) زيادة من المصحح.