الرد على من يدعي أنه لا يعرف المراد بظاهر القرآن:
الرد على من يدعي أنه لا يعرف المراد بظاهر القرآن:
  وذلك مما لا إشكال في فساده، فالغرض بالكلام إنما هو الإفهام، وما عداه من الأغراض يتبعه، فإذا لم يتعلق به هذا الغرض كان معدودا في العبث. على أن المعلوم من دين الأمة ضرورة خلافه، وأنهم كانوا يرجعون إلى ظواهر القرآن في معرفة الأحكام من الحلال والحرام، فلو لا أنه مما يمكنهم معرفة المراد بظاهره وإلا كان لا يكون في رجوعهم إليه معنى.
  وأيضا، فمعلوم من دين النبي ﷺ عليه أنا متعبدون بمعرفة الأحكام، وأن كتاب اللّه هو الأصل المرجوع إليه في معرفتها. فلو لم يمكن معرفة المراد به البتة، لكان يكون التكليف بذلك تكليفا لما لا يطاق، وذلك قبيح لا يليق بالقديم جل وعز.
  وبعد، فلا بد في الرسول من أن يكون قد عرف المراد به، فلا يخلو، إما أن يكون قد عرفه ضرورة، والاضطرار إلى قصد اللّه تعالى مع أن ذاته معلوم بالاستدلال محال، فليس إلا أن يكون قد عرفه بظاهر، لعلمه باللغة وما يحتاج إليه، وهذا يوجب في غيره أن يشاركه في العلم بما يراد في القرآن، إذا شاركه في العلم العربية وما يجوز على اللّه تعالى وما لا يجوز، فلا وجه لتطويل الكلام في هذا الفصل فقد بلغ في الوضوح النهاية.
  ولعل شبهة هؤلاء الذين أنكروا أن يعرف بظاهر القرآن شيء قوله تعالى: {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: ٧] وظنهم أن قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} مبتدأ غير معطوف على الأول، وذلك مما لا وجه له، لأن قوله تعالى:
  {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، معطوف على اللّه تعالى، فتكون الآية بأن تكون دلالة لنا أولى.
  وفرقة أخرى قالت: إن القرآن مما لا يمكن معرفة المراد به، فإن الألفاظ محتملة، فما من لفظ من الألفاظ إلا ويجوز أن يراد به الخصوص كما يجوز أن يراد به العموم، وإذا كان هذا هكذا فلا بد من أن نتوقف، وننتظر القرينة المميزة للعام من الخاص، والخاص من العام، وهؤلاء يسمون أصحاب الوقف.
  والذي يدل على فساد مقالتهم، ما ذكرناه من أن الصحابة كانوا يرجعون إلى ظواهر الكتاب ولا ينتظرون إلى ما ذكروه. وأيضا، فإن هذا القول يخرج القرآن من أن يكون موصوفا بشيء مما وصفه اللّه تعالى، نحو كونه هدى وبيانا وشفاء نورا. وكذلك ففي قولهم هذا تكذيب للّه تعالى، لأن اللّه تعالى يقول: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ}