شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

لا يجوز أن يعرفنا الله بأعيان الصغائر:

صفحة 429 - الجزء 1

لا يجوز أن يعرفنا اللّه بأعيان الصغائر:

  ومما يدخل في هذه الجملة، أن اللّه تعالى لا يجوز أن يعرفنا الصغائر بأعيانها، والذي يدل على ذلك أن الصغائر إغراء بالقبيح، والإغراء بالقبيح مما لا يجوز على اللّه تعالى.

  فإن قيل: ولم قلتم أن تعريف الصغائر من اللّه تعالى إغراء بالقبيح؟ قلنا: إن المكلف إذ علمها صغيرة وأنهما مما لا يجوز أن يستحق بفعلها العقاب بل يكون عقابها مكفرا في جنب ما له من الثواب، كان في الحكم كالمبعوث عليها، ومغرى بها. يبين ذلك، أنه إذا علم أن له فيه نفعا في الحال، ولا مضرة لا في الحال ولا في المآل، كان في الحكم كمن قيل له: لم لا تفعله ولا تبعه عليك فهذا إغراء على ما قلناه وليس لأحد أن يقول: إن مع العلم بقبحه لا يثبت الإغراء، لأنه إذا انتفع به في الحال ولا مضرة له في الحال ولا في المستقبل كان مغرى بفعله.

  فإن قيل: إنه إذا علم أنما يستحق على الصغيرة من العقاب يسقط جملة من ثوابه على قولكم بالموازنة، لا يكون مغرى بفعله ولا مبعوثا عليه.

  قيل له: أما على مذهب أبي علي فلا كلام فإنه لا يقول بالموازنة، وأما على مذهب أبي هاشم، فالجواب، إن المكلف إذا علم انتفاعه بالصغيرة في الحال، وعلم أنه لا يشتهي شيئا في الآخرة إلا وصل إليه ما يشتهيه، فإنه لا يبالي بسقوط ما سقط من ثوابه.

  فإن قيل: فيجب على هذا أن لا يحسن من اللّه تعالى التكليف بالنوافل والترغيب وفيما يستحق عليها من الثواب، فإن المكلف إذا علم أنه يصل إلى ما يشتهيه في الآخرة متى فعل الواجبات واجتنب المقبحات لم يعتد بما يستحق على النوافل من الثواب. يزيد ذلك وضوحا، أنه كما يمكن أن يقال: إنه لا يعتد بما يسقط من ثوابه بالصغيرة إذا علم أنه لا يشتهي شيئا إلا وصل إليه مع أنه كالحاصل له بالاستحقاق، فبأن لا يعتد بما يستحقه على النوافل من الثواب أولى وأحق، لأنه لم يحصل بعد.

  قيل له: فرق بينهما، فإن القديم إنما كلفنا النوافل وحسن منه ذلك لما كانت مسهلة للفرائض داعية إليها. لا لمجرد الثواب، حتى إن لم يقع به اعتداد وجب أن لا يحسن، وليس ذلك الحال في الصغيرة على ما ذكرنا.

  فإن قيل: أليس أنه اللّه تعالى عرف الأنبياء الصغائر بأعيانها، فكيف منعتم من