شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الخلاف مع بشر بن المعتمر

صفحة 352 - الجزء 1

  والقوم قد أبطلوا القول بالاختيار رأسا، فلم يكن للكلام في ذلك معهم وجه، وأيضا، فإن اللطف إذا كنا لا نوجبه إلا لأنه زيادة في تمكين المكلف أو إزاحة علته، والقوم يجوزون على اللّه تعالى تكليف ما لا يطاق، لم يكن لمكالمتهم في هذه المسألة وجه.

الخلاف مع بشر بن المعتمر

  فإذن لا يتحقق الخلاف معهم، وإنما يقع الخلاف من بشر بن المعتمر ومن تابعه.

  وهم قد ذهبوا إلى أن اللطف لا يجب على اللّه تعالى، وجعلوا العلة في ذلك، أن اللطف لو وجب على اللّه تعالى لكان لا يوجد في العالم عاص، لأنه ما من مكلف إلا وفي مقدور اللّه تعالى من الألطاف ما لو فعل به لاختار الواجب وتجنب القبيح، فلما وجدنا في المكلفين من عصى اللّه تعالى ومن أطاعه، تبيّنا أن ذلك اللطف لا يجب على اللّه تعالى.

  فأما عندنا، فإن الأمر بخلاف ما يقوله بشر وأصحابه، إذ ليس يمنع أن يكون في المكلفين من يعلم اللّه تعالى من حاله أنه إن فعل به بعض الأفعال كان عند ذلك يختار الواجب ويتجنب القبيح أو يكون أقرب إلى ذلك، وفيهم من هو خلافه، حتى إن فعل به كل ما فعل لم يختر عنده واجبا ولا اجتنب قبيحا.

  وإذ قد علمت هذا، فاعلم أن شيوخنا المتقدمين كانوا يطلقون القول بوجوب الألطاف إطلاقا، ولا وجه لذلك، بل يجب أن يقسم الكلام فيه ويفصل، فنقول:

  إن اللطف إما أن يكون متقدما للتكليف، أو مقارنا له، أو متأخرا عنه، ولا رابع.

  فإن كان متقدما فلا شك في أنه لا يجب، لأنه إذا كان لا يجب إلا لتضمنه إزاحة علة المكلف، ولا تكليف هناك حتى يجب هذا اللطف لمكانه. وأيضا فإنه إذا جرى مجرى التمكين، ومعلوم أن التمكين قبل التكليف لا يجب، فكذلك اللطف.

  وإذا كان مقارنا له فلا شبهة أيضا في أنه لا يجب، لأن أصل التكليف إذا كان لا يجب، بل القديم تعالى متفضل به مبتدأ، فلأن لا يجب ما هو تابع له أولى، فصح أن مراد المشايخ بذلك الإطلاق ما ذكرناه.

  ثم لا يفترق الحال بين ما إذا كان لطفا في الواجبات، وبين ما إذا كان لطفا في