شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

قولنا: الله مريد لا يعني كونه قادرا لا عالما

صفحة 292 - الجزء 1

  في اللوزينج، والشفاء في الإهليلج، وقد يشتهي ما لا يريده كالزنا وشرب الخمر وكالماء البارد في الحر الشديد وهو صائم، فصح أنه لا يمكن أن يرجع بالإرادة إلى الشهوة، وكما لا يمكن ذلك فكذلك لا يمكن أن يرجع بالكراهة إلى النفار، فإن الحي قد يكره ما لا ينفر طبعه عنه وهو الزنا وشرب الخمر، وقد ينفر طبعه عما لا يكرهه وهو الدواء الكريه، فإذن لا يمكن أن يرجع بهما إلى الشهوة والنفار ولا يشتبه الحال فيما عداهما، فخلصتا معنيين.

  إذا ثبت هذا، فاعلم أن الطريق إلى معرف هذه الصف في الشاهد إنما هو الضرورة ولا يمكن معرفتها استدلالا لأن كل دلالة تدل عليها فمبنية على العدل والحكمة، ولا يثبت كون أحدنا عدلا حكيما: ولهذا فإن النبي لما ثبتت حكمته جاز أن يعرف مراده استدلالا كما يجوز أن يعرف ضرورة، ومن هاهنا قلنا: إن من لم يثبت كونه عدلا حكيما، لا يمكنه أن يعلم كونه مريدا.

قولنا: اللّه مريد لا يعني كونه قادرا لا عالما

  : ونحن إذا قلنا: إن تعالى مريد فلا نعني به كونه قادرا ولا عالما، لأنه قد يريد ما لا يقدر عليه وقد يقدر على ما لا يريده، وهكذا في العلم وإنما مرادنا أنه حاصل على مثل صفة الواحد منا إذا كان مريدا.

  وقد خالفنا في ذلك شيخنا أبو القاسم البلخي والنظام، وقالا: إنا إذا قلنا: إنه تعالى مريد لفعل نفسه فمرادنا أنه يفعله لا على وجه السهو والغفلة، وإذا قلنا إنه مريد لفعل غيره فغرضنا أنه آمر به ناه عن خلافه، فلم يثبتا معنى هذه الصفة في القديم تعالى البتة. ونحن إذا أردنا إثباته للّه تعالى فبأن نبين أولا صحته عليه جلّ وعزّ، لأن إثبات الصفة تترتب على صحتها. والذي يدل على أن هذه الصفة تصح على اللّه تعالى، هو ما قد ثبت أن المصحح لها إنما هو كونه حيا، بدليل أن من كان حيا صح أن يريد، ومتى لم يكن حيا لم يصح أن يريد، فيجب أن يكون المصحح لهذه الصفة إنما هو كونه حيا.

  إذا ثبت هذا والقديم تعالى حي، وجب صحة أن يريد ويكره.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن المصحح لهذه الصفة في الواحد منا كونه ذا قلب؟ لأن هذه الصفة راجعة إلى الجملة، فالمصحح لها لا بد أن يكون راجعا إلى الجملة، والقلب فليس كذلك فكيف يصححها.