شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الفاسق يفعل به ما يستحقه:

صفحة 439 - الجزء 1

  منهم.

  فهذا هو الكلام في أن الفاسق يستحق العقوبة من اللّه تعالى وأنه لا ينفعه ثواب إيمانه باللّه تعالى وبرسوله بعد ارتكابه الكبيرة إلا إذا تاب.

الفاسق يفعل به ما يستحقه:

  وأما الكلام في أنه يفعل به ما يستحقه، فالخلاف فيه مع مقاتل بن سليمان وجماعة من الخراسانية والكرامية، فإنهم يذهبون إلى أن الفاسق لا يعاقب بل لا يعاقب أيضا المشرك، ويقولون: إن الشرك مما لا معنى له، غير أنهم لا يظهرون هذا المذهب لكل أحد بل يسرونه.

  والذي يدل على فساد مذهبهم هذا، العقل والشرع.

  أما العقل، فهو أن الفاسق إذا علم أنه لا يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كان يكون مغرى على القبيح، ويكون في الحكم كأن قيل له: افعل فلا بأس عليك.

  وأما الشرع، فهو أن الأمة اتفقت على أن المشرك يعذب بين أطباق النيران، ويعاقب أبد الآبدين ودهر الداهرين، فكيف يصح إطلاق القول بأنه لا يعاقب؟

  وكما يقع الخلاف في هذه المسألة مع هؤلاء فقد يقع مع طائفة أخرى يقولون:

  إن اللّه تعالى يجوز أن يعفو عن الفاسق، ويجوز أن يعاقب، ولا، يعلم حقيقة ذلك وهو الذي تقوله المرجئة الأول.

  والذي يدل على فساد هذا المذهب، طريقان اثنان: أحدهما طريقة مركبة من العقل والسمع، والأخرى طريقة سمعية.

  أما المركبة، فهي أن الفاسق لا يخلو، إما أن يدخل الجنة أو النار، إذ لا دار بينهما. فإن دخل النار فهو الذي نقوله، وإن دخل الجنة فلا يخلو، إما أن يكون مثابا أو متفضلا عليه، لا يجوز أن يكون مثابا لأن إثابة من لا يستحق الثواب يقبح، ولا يجوز أن يدخل الجنة متفضلا عليه لأن الأمة قد اتفقت على أن المكلف إذا دخل الجنة، يجب أن يكون حاله متميزا عن حال الولدان المخلدين، فيجب أن يكون معاقبا على ما نقوله.

  وأما السمعية في هذا الباب، فهو أن يستدل بعمومات الوعيد على ذلك. وإذا