شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبهة الملاحدة في أصل الأعواض

صفحة 337 - الجزء 1

  تعالى الأعواض إلى المعوض على هذا الحد، ونحن لا نجوز ذلك، بل نقول: لا بد من أن يفرقه على الأوقات، ويوصل إليه على حد يقع له الاعتداد به، فأما أن يجمعه جميعا ويوفره عليه دفعة واحدة فإن ذلك لا يحسن، فمن أين يقتضي ما ذكرتموه دوام العوض.

  يبين ذلك ويوضحه، أن سبيل العوض من جهة اللّه تعالى ليس هو سبيل قيم المتلفات حتى تعتبر المقابلة، بل لا بد من أن يبلغ في الكثرة حدا لا تختلف أحوال العقلاء في اختيار الألم لمكانه، وإذا كان الأمر بهذه الصفة فما من عاقل إلا ويستحسن بكمال عقله تحمل المشاق العظيمة لتلك المنافع، فكيف يصح ما ذكرتموه؟

شبهة الملاحدة في أصل الأعواض

  وبعد ذلك شبهة تتعلق بها الملحدة في أصل الأعواض ويشنعون بها علينا.

  وجملة ذلك، هو أنهم قالوا: لو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب عوض كل معوض من جنس ما ألفه في الدنيا واعتاد الانتفاع به هاهنا، وذلك يوجب أن يخلق اللّه تعالى لنا في الجنة من الأطعمة الشهية ما كنا ألفنا في دار الدنيا، وأن يخلق للبهائم الحشائش والأتبان، وذلك خلف من الكلام وخطل من القول، إذ لا خطر لشيء من هذه الأشياء.

  وجوابنا أن الشّنعة مما لا وجه له، بل الواجب على العاقل أن ينظر فيعلم أن اللّه تعالى إذا آلمنا فلا بد من أن يضمن في مقابلته من الأعواض ما يوفى عليه، وأن يكون له فيه غرض آخر وهو الاعتبار، ليخرج بالعوض عن كونه ظلما، وبالاعتبار عن كونه عبثا على ما ذكرناه في غير موضع.

  ثم نقول لهم: ليس يجب في عوض كل معوض أن يكون من جنس ما ألفه واعتاد أكله والانتفاع به إذ لا وجه يوجب، وفارق الحال في ذلك الحال في الثواب إنما يستحق بطريقة الترهيب والترغيب ولا يتصور إلا فيما يعتاد في دار الدنيا، وليس كذلك العوض فليس يستحق بطريقة الترغيب، وإن كان الأقرب أن يكون عوض المكلفين من جنس ما ألفوه وعوّدوا أكله على ما تقدم، على أنه لا يمتنع أن يخلق اللّه تعالى للبهائم من الأتبان والحشائش ما نستحقه، لأن قدرته تعالى أوسع من ذلك ولا إشكال في هذا، وإن المشكل أن يقال في السباع الضارية وشهواتها متعلقة به في دار الدنيا أن يمكنها اللّه تعالى من افتراس بعضها لبعض، فشهواتها مقصورة عليه، وذلك