حدوث الأجسام
  فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك.
  فصل: في الاستدلال بالأجسام على اللّه تعالى.
  والأصل فيه، أن الاستدلال بالأجسام على اللّه تعالى أولى من الاستدلال بغيرها لوجوه:
  أحدهما: أن الأجسام معلومة بالاضطرار على سبيل الجملة والتفصيل جميعا، وليس كذلك الأعراض.
  والثاني: هو أن العلم بكمال التوحيد لا يحصل ما لم يحصل العالم بحدوث الأجسام.
  والثالث: هو أن الاستدلال بالأجسام يتضمن إثبات الأعراض وحدوثها، وليس كذلك الاستدلال بالأعراض.
  وإذ قد عرفت ذلك وأردت أن تستدل بالأجسام على اللّه تعالى، فمن حقك أن تعلم حدوثها، وأن لها محدثا مخالفا لنا وهو اللّه تعالى.
حدوث الأجسام
  والطريق إلى معرفة حدوثها طرق ثلاثة:
  أحدهما: أن نستدل بالأعراض على اللّه تعالى، ونعرفه بتوحيده وعدله، ونعرف صحة السمع، ثم نستدل بالسمع على حدوث الأجسام.
  والثاني: هو أن نستدل بالأعراض على اللّه تعالى ونعلم قدمه، ثم نقول: لو كانت الأجسام قديمة لكانت مثلا للّه تعالى لأن القدم صفة من صفات النفس، والاشتراك في صفة من صفات النفس، يوجب التماثل ولا مثل للّه تعالى فيجب أن لا تكون قديمة، وإذا لم تكن قديمة وجب أن تكون محدثة لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين، وإذا لم يكن على أحدهما، كان على الآخر لا محالة.
  أما الوجه الثالث: فهو الدلالة المعتمدة، وأول من استدل بها شيخنا أبو الهذيل، وتابعه باقي الشيوخ. وتحريرها هو أن نقول: إن الأجسام لم تنفك من الحوادث ولم تتقدمها، وما لم يخل من المحدث يتقدمه يجب أن يكون محدثا مثله.