شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حقيقة الكسب:

صفحة 245 - الجزء 1

حقيقة الكسب:

  اعلم، أن الكسب كل فعل يستجلب به نفع، أو يستدفع به ضرر. يدلك على ذلك، هو أن العرب إذا اعتقدوا في فعل أنه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سموه كسبا، ولهذا سموا هذه الحرف مكاسب، والمتحرف بها كاسبا، والجوارح من الطير كواسب.

  ومتى قيل إن هذه حقيقة الكسب من طريق العربية، وليس الكلام إلا في الكسب الاصطلاحي، قلنا: الاصطلاح على ما لا يعقل غير ممكن، لأن الشيء يعقل معناه أولا، ثم إن لم يوجد له اسم في اللغة يصطلح عليه، فأما والمعنى لم يثبت بعد ولم يعقل فلا وجه للاصطلاح عليه. وأيضا فلا بد من أن يكون للاصطلاح شبه بأصل الوضع، ما يقوله مخالفونا لا شبه له بأصل الوضع. إذا ثبت هذا، عدنا إلى الكلام على إفساد هذه المذاهب.

  فأما مذهب جهم، فقد دخل فساده تحت ما تقدم.

  وأما الكلام على القائلين بالكسب، فالأصل في أن تعلم أن فساد المذهب قد يكون بأحد طريقين:

  أحدهما: بأن تبين فساده بالدلالة.

  والثاني: بأن تبين أنه غير معقول في نفسه. وإذا ثبت أنه غير معقول في نفسه كفيت نفسك مئونة الكلام عليه، لأن الكلام على ما لا يعقل لا يمكن. وهذه الطريق هي التي سلكناها في فساد القول بالطبع والقول بالتثليث، فقلنا للطبيعيين: إن مذهبكم في الطبع غير معقول، وقلنا للنصارى: إن اعتقاد واحد ثلاثة مما لا يمكن، ومذهبكم في ذلك مما لا يعقل، والكلام عليه مما لا وجه له، وبهذه الطريق يفسد القول بالكسب، فإن ذلك غير معقول كما عددناه من المذاهب.

  والذي يبين لك صحة ما نقوله، أنه لو كان معقولا لكان يجب أن يعقله مخالفو المجبرة في ذلك، من الزيدية، والمعتزلة، والخوارج، والإمامية، والمعلوم أنهم لا يعقلونه. فلو لا أنه غير معقول في نفسه، وإلا كان يجب أن يعقله هؤلاء، فإن دواعيهم متوفرة، وحرصهم شديد في البحث عن هذا المعنى، فلما لم يوجد في واحد من هذه الطوائف على اختلاف مذاهبهم، وتنائي ديارهم، وتباعد أوطانهم، وطول مجادلتهم في هذه المسألة من ادعى أنه عقل هذا المعنى أو ظنه أو توهمه، دل على أن ذلك مما لا