شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الحاجة إنما تجوز على الأجسام

صفحة 141 - الجزء 1

الحاجة إنما تجوز على الأجسام

  وتحرير الدلالة على أنه تعالى غني، هو أنه حي لا تجوز عليه الحاجة فيجب أن يكون غنيا، وهذه الدلالة مبنية على أصلين: أحدهما، هو أنه تعالى حي، وقد تقدم.

  والثاني، أنه لا تجوز عليه الحاجة. والذي يدل على ذلك أن الحاجة إنما تجوز على من جازت عليه الشهوة والنفار، والشهوة والنفار إنما تجوز على من جازت عليه الزيادة والنقصان، والزيادة والنقصان إنما تجوز على الأجسام، واللّه تعالى ليس بجسم، فيجب أن لا تجوز عليه الحاجة. وإذا لم تجز عليه الحاجة وجب كونه غنيا.

  فإن قيل: ولم قلتم ذلك، وما دليلكم عليه؟

أبو هاشم والشهوة والنفار

  قلنا: الدليل عليه، ما ذكره شيخنا أبو هاشم أن أحدنا إذا أدرك ما تشتهيه النفس فإنه يزداد جسمه ويصح بدنه عليه، ولو أدرك ما تنفر طبيعته عنه فإنه يضره حتى يورثه الهزال والضعف، وذلك دلالة دالة على أن الزيادة والنقصان من حكم الشهوة والنفار.

اعتراض أبي إسحاق بن عياش

  وقد اعترض هذه الطريقة شيخنا أبو إسحاق بن عياش بأن قال: إن أحدنا قد يشتهي الطين والجبن أشد الشهوة، ومع ذلك يضره غاية المضرة وينقص بدنه عليه، وكذا الجماع فإنه تتعلق به الشهوة الشديدة ثم لا يوافقه، وعلى هذا قال فيه الأطباء ما قالوه. وبالضد من ذلك، إنه مع نفار طبعه عن الأدوية الكريهة المرة المنفرة وكراهته لها، قد ينتفع بتناولها أشد الانتفاع وأظهره.

  إلا أن أبا هاشم يمكنه الاعتذار عن ذلك، فيقول: ليست شهوة الطين والجبن بشهوة صادقة وإنما هي شهوة كاذبة، وأما الأدوية فإنه لا يقع بها الانتفاع وصلاح البدن بل تضر نفسه ونورثه الضعف والهزال، ثم يصح بدنه على ما يتناوله من الأطعمة الشهية اللذيذة بعد ذلك.

  إلا أن الاعتماد على هذه الطريقة غير ممكن، لأن الجسم إنما يزداد وينقص بالأطعمة والأدوية لمجرى العادة من اللّه تعالى، فكيف يجعل ذلك من حكم الشهوة والنفار.