من كل هذا ثبت أن العلم اعتقاد واقع على وجه مخصوص ووقوعه على هذا الوجه لا يمكن إلا ممن هو عالم
من كل هذا ثبت أن العلم اعتقاد واقع على وجه مخصوص ووقوعه على هذا الوجه لا يمكن إلا ممن هو عالم
  فحصل من هذه الجملة أن العلم اعتقاد واقع على وجه مخصوص، وأن وقوعه على هذا الوجه مما لا يمكن إلا ممن هو عالم، إذا ثبت هذا، فإذا كان القديم تعالى عالما بعلم محدث، والمحدث لا بد له من محدث، ومحدثه لا بد من أن يكون هو اللّه تعالى، لزم أن لا يصح وجود هذا العلم إلا إذا كان عالما، وأن لا يكون عالما إلا إذا كان هذا العلم، فيترتب كل واحد منهما على الآخر، وذلك محال.
  فإن قيل: أليس أنه تعالى مريد بإرادة محدثة موجودة لا في محل من قبله، ثم لا يجب أن يكون مريدا قبل الإرادة، فهلا جاز أن يكون عالما بعلم محدث ولا يجب أن يكون عالما قبل وجود هذا العلم.
  قلنا: فرق بين الموضعين، لأن الإرادة جنس الفعل، فلا تحتاج إلى قصد وإرادة، وليس كذلك العلم، لأنه اعتقاد واقع على وجه مخصوص لا يتأتى على ذلك الوجه من جميع القادرين، ففارق أحدهما الآخر.
شبه المخالفين العقلية
  وللمخالف في هذا الباب شبه من جملتها، هو أنهم قالوا: لم يكن القديم تعالى عالما بوجود العالم فيما لم يزل، ثم حصل عالما بذلك بعد إذ لم يكن عالما به، وهذا يوجب أن يكون عالما بعلم محدث. وربما يغيرون العبارة فيقولون: إنه تعالى لم يكن عالما فيما لم يزل بأنه فاعل، وحصل عالما بعد إذ لم يكن، فيجب أن يكون عالما بعلم محدث على ما نقوله.
  والأصل في الجواب عن ذلك، أن العلم بأن الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد، بدليل أنا لو قدرنا بقاء هذا العلم، لكان لا يخلو، إما أن يكون متعلقا، أو لم يكن متعلقا، لا يجوز أن لا يكون متعلقا، لأن ذلك يقتضي انقلاب جنسه. وإذا تعلق فلا يخلو، إما أن يكون متعلقا بوجوده، أو بأنه سيوجد. لا يجوز أن يكون متعلقا بأنه سيوجد لأنه موجود، والعلم لا يتعلق بالشيء إلا على ما هو به، فلم يبق إلا أن يكون متعلقا بوجوده على ما نقوله. فهذه شبهة عقلية والجواب عليها.
  وأما شبههم من جهة السمع، فقد تعلقوا بقوله تعالى: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ}[محمد: ٣١] وحتى إذا دخل على الفعل المضارع أفاد الاستقبال،