هلا يكون الخوف الذي يحصل عند ترك النظر أول الواجبات؟
  تكليفه بالنظر تكليف ما لا يطاق، وليس كذلك المعرفة لأن المعرفة محتاجة إلى النظر، حتى لو منع عن النظر لما حسن تكليفه بالمعرفة، لأن تكليفه بها تكليف ما لا يطاق.
هلا يكون الخوف الذي يحصل عند ترك النظر أول الواجبات؟
  فإن قيل: هلا قلتم إن الخوف الذي يحصل عند ترك النظر أول الواجبات، قلنا:
  هذا خلف من الكلام وخطل من القول، لأن الخوف من شرائط التكليف، فكيف يجعل واجبا على المكلف، فضلا عن أن يكون أول الواجبات؟ فلو جاز هذا، لجاز أن يقال: إن كمال العقل أول الواجبات، وإن كان من شرائط التكليف.
  واعلم أن هذا الخوف إنما يكون من قبلنا، ولا يجوز أن يكون من قبل اللّه تعالى لأن المرجع به إلى ظن مخصوص ولا حكم للظن إلا إذا صدر من أمارة صحيحة، والأمارة لا تجوز على اللّه تعالى لأنه عالم لذاته، فلو وجد من جهته الظن والحال هذه، لتنزل منزلة الظن السوداوي، وذلك مستحيل عليه. يبين ذلك أن الظن لا يخلو إما أن يكون من قبيل الاعتقاد على ما قاله الشيخ أبو هاشم، أو يكون جنسا برأسه على ما يقوله باقي الشيوخ. فإن كان من قبيل الاعتقاد فلا يخلو إما أن يكون معتقده على ما اعتقده عليه، أو لا يكون كذلك. فإن كان معتقده على ما اعتقده عليه لم يكن ظنا وكان علما، وإن لم يكن كذلك كان جهلا قبيحا، واللّه تعالى منزه عنه. وإن كان جنسا برأسه، فإنه لا ينفك عن التجويز الذي هو اعتقاد مخصوص، فحال ذلك الاعتقاد لا يخلو إما أن يكون معتقده على ما اعتقده عليه، أو لا يكون كذلك، فإن كان معتقده على ما اعتقده عليه لم يكن ظنا بل يكون علما، وإن لم يكن كذلك كان جهلا قبيحا واللّه تعالى منزه عن الجهل والقبيح.
  فحصل من هذا أن الخوف لا بدّ من أن يكون من فعلنا، ثم لا يمتنع مع ذلك أن يكون من شرائط التكليف.
  فإن قيل: لو كان المرجع بالخوف إلى ما ذكرتموه من الظن المخصوص لكان لا يدخل في المعلومات، والمعلوم أن أحدنا يخاف الموت مع كونه مقطوعا به، قيل له:
  إنا لا نخاف الموت، وإنما خوفنا من الوقت الذي يحدث فيه وينزل وذلك غير معلوم، فلذلك تحقق الخوف به.
  فإن قيل: أليس الملائكة يخافون عذاب اللّه تعالى، قال اللّه تعالى: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ٥٠}[النحل: ٥٠] مع علمهم بأنهم لا يعذبون قلنا: إنهم لا