شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل شبه الملحدة

صفحة 403 - الجزء 1

  الحلال والحرام، فيجب الرجوع إليه والأخذ بما يوجبه ويقتضيه والإيمان به كله، مجمله ومفصله، ومحكمه ومتشابهه، ووعده ووعيده، وأمره ونهيه.

  وذلك كما ذكر، لأن القرآن إما أن يكون من باب الأقاصيص، أو الأوامر والنواهي، أو الوعد والوعيد، وأي ذلك كله وجب الإيمان به على ما ذكرناه.

  أما الأقاصيص، فلا بد من أن يعتقد صدقه فيها، سيما وقد علمنا بدلالة العدل أنه لا يجوز عليه الكذب بوجه من الوجوه.

  وأما الأوامر والنواهي، فكذلك إذا علمنا عدله تعالى، علمنا أنه لا يأمرنا إلا بما هو مصلحة، ولا ينهانا إلا عما هو مفسدة، فلزمنا الامتثال بأوامره والانتهاء عن نواهيه.

  وكذلك الوعد والوعيد، فإنا إذا كنا كما نعلم أنه تعالى عدل حكيم لا يلغز ولا يعمى، ولا يخلف في وعده ووعيده، فلا بد من أن نعتقد أن ما وعد به المؤمنين من الثواب وأصل إليهم لا محالة، وما توعد به العصاة نازل بهم، وأنه لا شرط هاهنا ولا استثناء، إذ لو كان لبيّنه، فلا يجوز وهو حكيم، أن يخاطب بخطاب يفيد ظاهره من الأمور ولا يريده به ثم لا يدل عليه، فهذه جملة ما ذكره في هذا الموضع ولاستقصاء الكلام فيه موضع يخصه.

فصل شبه الملحدة

  وإذا قد عرفت إعجاز القرآن وما يتصل به، فاعلم أن الملحدة يوردون وجوها من المطاعن فيه.

  ومن جملتها، قدحهم في إعجازه، وقولهم: إن كل من عرف شيئا من اللغة لا يعجز عن الإتيان بسورة من مثله أو بعشر سور مثله.

  وقد تقدم الكلام في ذلك، فقد بينا أن العرب مع معرفتهم بالفصاحة، وحرصهم على إبطال أمره، عجزوا عن الإتيان بمثله، فلو لا كونه معجزا، وإلا لما وجب ذلك.

  ومنها، ادعاؤهم أن القرآن يناقض بعضه بعضا ويدافعه، وقولهم: إن المناقضة ليست بأكثر من أن يثبت بأول الكلام ما ينفي بآخره، وهذا حال القرآن، فإن قوله: