شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبهتان لأبي الهذيل

صفحة 123 - الجزء 1

  النفس إليه ولا يكون عالما به، والمعلوم خلافه. وبعد فإنه لا يخلو، إما أن يكون من قبيل الاعتقاد على ما نقوله، أو مخالفا له، أو ضدا. لا يجوز أن يكون مخالفا له، لأنه كان يجب إذا طرأ عليها الجهل أن لا ينفيهما، لأن الشيء الواحد لا يجوز أن ينفي شيئين مختلفين غير ضدين. ألا ترى أن السواد إذا طرأ على المحل وفيه بياض وحلاوة، فإنه ينفي البياض دون الحلاوة ولا يجوز أن يكون ضدا، لأن الضدين لا يجوز احتمالهما معا، فلم يبق إلا أن يكون من قبيل الاعتقاد على ما نقوله.

شبهتان لأبي الهذيل

  وشبهته في هذا الباب، شبهتان:

  إحداهما، هو أن العلم لو كان من قبيل الاعتقاد لوجب في كل اعتقاد أن يكون علما، ومعلوم أن اعتقاد التقليد والتبخيت ليس بعلم.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنا لم نجعل مجرد الاعتقاد علما حتى يلزم ما ذكرته، وإنما جعلنا العلم اعتقادا واقعا على وجه مخصوص، وليس كذلك اعتقاد التقليد والتبخيت فإنه غير واقع على ذلك الوجه، فلا يصح ما أوردته.

  والشبهة الثانية، هو أن العلم لو كان من قبيل الاعتقاد لوجب في كل عالم أن يسمى معتقدا، ومعلوم أنه تعالى عالم ولا يسمى بذلك، فليس إلا أن العلم جنس برأسه غير الاعتقاد على ما أقوله.

  والجواب عن ذلك أن الذي ذكرته إنما وجب في الواحد منا لأنه عالم بعلم هو اعتقاد مخصوص، فسمي معتقدا، وليس كذلك القديم تعالى لأنه عالم لذاته فلا يجوز أن يسمى معتقدا.

  والأولى أن يذكر في الجواب عنه ما ذكره الشيخ أبو عبد اللّه البصري، وهو أنه تعالى حاصل على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا، إلا أنه لم يجز إجراء هذا اللفظ على اللّه تعالى، لأنه يوهم أن هناك قلبا وضميرا أو عقلا.

  وبعد، فإن لفظ الاعتقاد مجاز فيما استعملنا، ويشبه بعقد الخيط، والمجازات لا يجوز إجراؤها على اللّه تعالى إلا بعد توقيف وإذن سمعي، فلهذا يوصف القديم تعالى بذلك.