شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مخالفة البغداديين:

صفحة 263 - الجزء 1

  أما ما لا يتراخى عن سببه فإن حاله كحال المبتدأ، والمتراخي عن سببه فإنه لا يمنع أن تتقدمه القدرة بأوقات، وإن كان لا يجب أن يتقدم سببه إلا بوقت.

  إذا ثبت هذا، فالكلام في أن القدرة يجب تقدمها على مقدورها أو لا يجب، وذلك يترتب على إثباتها أولا، لأن الكلام في حكم الشيء يتفرع على إثباته.

طرق إثبات القدرة:

  فالطريق إلى إثبات القدرة طرق:

  أحدها: ما قدمناه في إثبات الأعراض. وتحريره في هذا الموضع أن نقول: إن الواحد منا حصل قادرا مع جواز أن لا يحصل قادرا والحال واحدة والشرط واحد، فلا بد من أمر وخصص له، ولمكانه حصل على هذه الصفة، وإلا لم يكن بأن يحصل عليها أولى من خلافه، وليس ذلك إلا وجود معنى هو القدرة.

  والثاني: هو أن نقول: إن هاهنا عضوين، يصح الفعل بأحدها ابتداء، ولا يصح بالآخر، فلو لا أن لأحدهما مزية على الآخر بأمر من الأمور، وإلا لم يكن هو بصحة الفعل به أولى من صاحبه، وليس ذلك الأمر إلا القدرة.

  والثالث: هو أن نقول: إن هاهنا قادرين، يصح من أحدهما الفعل أكثر مما يصح من الآخر مع استوائهما في كونه قادرين، فلو لا أنه مختص بأمر زائد على ما يختص به الآخر، وإلا لم يكن هو بهذه المزية أولى من صاحبه، وليس ذلك الأمر إلا زيادة القدرة على ما نقوله.

مخالفة البغداديين:

  وقد خالفنا بذلك مشايخنا البغداديون، وقالوا: إنما يصح من القادر الفعل لمكان الصحة لا لما ظننتموه.

  وقد بينا الكلام عليهم في باب الصفات، وذكرنا أن الصحة إما أن يراد به التأليف من جهة الالتئام، أو اعتدال المزاج، أو زوال الأمراض والأسقام، وشيء من ذلك مما لا يؤثر في وقوع الفعل ولا في صحته لأن الفعل إنما يصدر عن الجملة، فالمؤثر فيه لا بد من أن يكون راجعا إلى الجملة، وهذه الأمور كلها راجعة إلى المحل.