شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

النعم نوعان

صفحة 355 - الجزء 1

  وليس هذا جنسا مخصوصا يجب في القادر للذات أن يكون قادرا عليه لا محال.

  ومن ذلك قياسهم المصلحة على المفسدة، فقالوا: إذا كان اللّه تعالى قادرا على أن يفعل من المفسدة ما يفسد به كل أحد، وجب أن يكون قادرا على أن يفعل من المصلحة ما يصلح به كل أحد. وجوابنا، أنا لو خلينا وقضية العقل لكنا لا نعلم أنه تعالى قادر على ما لو فعله بجميع المكلفين لفسدوا عنده، غير أن السمع ورد بذلك، وهو قوله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ٦ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ٧}⁣[العلق: ٦ - ٧] وقوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}⁣[الشورى: ٢٧]، فلم يفصل بين عبد وعبد، ومثل هذه الدلالة غير ثابت في المصلحة، فبقي على أصل العقل، وإذا كان هذا هكذا فقد بطل القياس.

  فإن قيل: ألسنا ندبنا إلى أن نسأل اللّه تعالى العصمة والتوفق، وأن نقول مثلا:

  اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا عما تكره وتسخط، وغير ذلك من الدعوات؟ فلو كان الأمر على ما ذكرتموه من أنه ليس في مقدور اللّه تعالى من الألطاف ما لو فعله بكل أحد لصلح عنده ولاختار الواجب واجتنب القبيح، لكان يجب أن لا يصح هذا القول وهذا الدعاء والسؤال.

  وجوابنا، أنا إنما ندبنا إلى هذا السؤال مشروطا بأن يكون ذلك في المقدور وإن كان الشرط غير منطوق به، فالشرط وإن لم ينطق به فهو في حكم المنطوق به، فهذا جملة ما نذكره في هذه المسألة.

فصل

  أورد | بعد هذه الجملة، الكلام فيما بنا من النعم من جهة اللّه تعالى.

  وكان ينبغي أن نذكر قبل الشروع في المسألة حقيقة النعمة والمنعم وما يتصل بذلك، إلا أنا لما فرغنا عنه في أول الكتاب، لم نعده هاهنا كراهة التطويل، والذي نذكره هاهنا ما يختص هذا الموضع.

النعم نوعان

  اعلم أن النعم على ضربين:

  أحدهما، لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى، وذلك نحو الإحياء والإقدار وخلق الشهوة والمشتهى وإكمال العقل، ولا شك في أن ما هذا حاله فإن اللّه تعالى هو المنفرد به،