شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

البداء

صفحة 394 - الجزء 1

النسخ

  أما، النسخ فهو في الأصل الإزالة أو النقل، على ما اختلف فيه أصحابنا، فأما في الشرع، فهو إزالة مثل الحكم الثابت بدلالة شرعية بدليل آخر شرعي، على وجه لولاه لثبت ولم يزل مع تراخيه عنه، فاعتبرنا أن يكون إزالة مثل الحكم الثابت، لأنه لو زال عين ما كان ثابتا من قبل، لم يكن نسخا بل كان نقضا. واعتبرنا أن تكون الدلالتان شرعيتين، لأنهما لو كانا عقليتين أو إحداهما عقلية والأخرى شرعية لم يعد نسخا، ألا ترى أن من لزمه رد الوديعة مثلا، ثم لم يلزمه بعد ذلك لعجز طرأ عليه أو لمرض اعتراه، لم نقل: إنه قد نسخ عنه رد الوديعة.

  وكذلك فإن من لزمه الصلاة والصيام ثم عرض ما يمنعه من ذلك من جنون أو غيره حتى لا يلزمه، لا يقال: إنهما قد نسخا عنه، فلا بد إذن مما اعتبرناه، واعتبرنا أن يكون ذلك على وجه لولاه لم يزل وكان ثابتا، لينفصل حال النسخ عن حال تعليق الحكم بغاية لحركات في اللفظ، نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ}⁣[البقرة: ١٨٨] وما جرى مجراه، فإن ذلك لا يكون من النسخ في شيء، وأن لا ينفصل عنه إلا بما ذكرناه، واعتبرنا أن يكون متراخيا عنه ضربا من التراخي لأنه لو لم يعتبر ذلك لالتبس الناسخ بالمخصص، والمنسوخ بالعام، وبينهما من الفرق ما لا يخفى، فلا بد إذن في اعتبار هذه الشرائط، حتى لو انخرم شرط منها لكان لا يكون نسخا، فهذه جملة ما يجب اعتباره في النسخ حتى يكون نسخا.

  وأما البداء، فإنه لا يكون بداء إلا عند اعتبار أمور، نحو أن يكون المكلف واحدا والفعل واحدا والوقت واحدا والوجه واحدا، ثم يرد الأمر بعد النهي أو النهي بعد الأمر، ومثاله أن يقول أحدنا لغلامه: إذا زالت الشمس ودخلت السوق فاشتر اللحم، ثم يقول له: إذا زالت الشمس ودخلت السوق فلا تشتر اللحم، وإنما يسمى بداء لأنه يقتضي أنه قد ظهر له من حال اشتراء اللحم ما كان خافيا عليه من قبل.

البداء

  والبداء، هو الظهور في اللغة، ولا بد من اعتبار هذه الأمور الأربعة التي ذكرناها، حتى لو تغاير واحد من هذه الأمور الأربعة خرج البداء عن أن يكون بداء، ألا ترى أنه لو تغاير المكلف فقال لأحد الغلامين مثل ما قلناه أولا، وللغلام الثاني مثل ما قلناه ثانيا، لم يكن من البداء في شيء، وهكذا لو تغاير الفعل أو الوقت أو