شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب

صفحة 103 - الجزء 1

  بد من أن يفعل بنا ما نكون عنده أقرب إلى أداء الشكر عليها. فقد خلق هذه الصور غير تامة ليدعونا إلى الشكر على النعم، إذ المعلوم أن أحدنا إذا رأى صورة ناقصة قبيحة فإنه يكون عند ذلك أقرب إلى أداء الشكر الواجب على تحسين صورته، وإتمام خلقه.

  فإن قيل: فهل يوجد في الأفعال ما يدل على أن فاعله جاهل؟ قلنا: لا، لأن أقصى ما يقال في هذا الفعل، المخرمش، فذلك كما يقع من الجاهل قد يقع أيضا من العالم.

  فإن قيل: فهل يوجد من الأفعال ما يدل على أن صاحبه ليس بعالم؟ قلنا نعم، فإنا إذا علمنا أن أحدنا قد خلص داعيه إلى إيجاد الفعل محكما متسقا، وكانت الموانع مرتفعة زائلة ثم لا يقع، دل على أنه غير عالم به، إذ لو علم به لأوقعه كما يريد.

ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب

  ثم إنه | أورد في آخر الفصل ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب.

  وجملة القول في ذلك، أنه يلزمه أن يعلم أنه تعالى كان عالما فيما لا يزال، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو سهو، وأنه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصح أن تعلم عليها.

  أما الذي يدل على أنه تعالى كان عالما فيما لم يزل، فهو أنه لو لم يكن عالما فيما لم يزل وحصل عالما بعد إذ لم يكن، لوجب أن يكون عالما بعلم متجدد محدث، وذلك فاسد لما نبينه من بعد إن شاء اللّه تعالى.

  وأما الذي يدل على أنه جل وعز يكون عالما فيما لا يزال، هو أنه لا يستحق هذه الصفة لذاته، والموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال.

  وأما الذي يدل على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصح أن تعلم عليها، فهو أن المعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم إلا يصح أن يعلمه سائر العالمين، فيجب في القديم تعالى صحة أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها، وإذا صح وجب، لأن صفة الذات متى صحت وجبت. فهذه جملة الكلام في هذا الفصل.