شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

لم لا يكون الظالم اسما لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره:

صفحة 237 - الجزء 1

  وبعد، فإن العرب متى اعتقدوا أن الظلم تعلق بأحدنا تعلق الفعل بفاعله سموه ظالما وإن لم يعرفوا تفرده به، ومتى لم يعتقدوا ذلك لم يسموه به. يبين ذلك، أنهم شاهدوا جماعة اشتركت في قتل مسلم سموهم ظلمة، وكل واحد منهم ظالما، ولم يعتقدوا تفردهم بالظلم بل عرفوا الاشتراك، ففسد ما ظنوه.

  وبعد، فإن اللّه تعالى لو تفرد بالظلم لما زاد حاله على حاله الآن، وقد تعلق به سائر الظلامات على سائر وجوهها وحقائقها.

لم لا يكون الظالم اسما لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره:

  فإن قيل: ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن لم يجعل الظلم سكبا لغيره، واللّه تعالى جعل الظلم كسبا لنا فلا يجب أن يسمى ظالما. قلنا: إن هذا السؤال مع ركاكته يدل على عمى قلب السائل، لأن فحوى هذا الكلام، أن الظالم اسم لمن جعل الظلم كسبا لنفسه، وهذا يوجب أن لا يكون أحدنا ظالما، لأنه لم يجعل الظلم كسبا لنفسه، وإنما جعل ذلك كسبا له.

  وبعد، فإن قولنا ظالم إثبات، وأنه لم يجعل الظلم كسبا لغيره نفي، ولا يجوز أن يرجع بالإثبات إلى النفي، كما في العادل والرازق.

  وبعد، فلو جاز أن يكون الظالم اسما لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره، لجاز أن يكون العادل اسما لمن لم يجعل العدل كسبا لغيره، وكذا الكلام في المحسن، والمنعم، والمتفضل، والمعلوم خلافه.

  وأيضا، فإن أهل اللغة لم يعلموا أن الكسب على الوجه الذي تقولونه أصلا، فكيف يقال إن الظالم عندهم اسم لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره، فإن قيل: إنهم كما لم يعلموا الكسب لم يعلموا أيضا الحدوث فيجب أن لا يكون أحدنا محدثا لتصرفاته، قلنا: إن العرب وإن لم يعلموا صفة المحدث على الحد الذي نقوله، فقد علموا الفرق بين ما يقف على قصدنا ودواعينا ويثبت لأحوالنا فيه تأثير، وبين ما لا يقف على قصدنا ودواعينا ولا يثبت لشيء من أحوالنا فيه تأثير.

  فإن قيل: أليس أنه تعالى يخلق الحركة ولا يكون متحركا، ويخلق الولد ولا يكون والدا، فهلا جاز أن يخلق الظلم ولا يكون ظالما؟ قلنا: هذا لا يصح، لأنه ما من فعل من الأفعال يفعله القديم تعالى إلا وقد اشتق له منه اسم، إلا أفعالا معدودة