شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حدود للظلم غير صحيحة:

صفحة 233 - الجزء 1

  بدخولها جحر الفأرة وإخراجها منه، قالوا: أظلم من حية.

  هذا هو حقيقة الظلم، وإذا استعمل في غير ذلك فهو على سبيل المجاز، وعلى هذا يقال للسحاب إذ مطرت في غير حينها أنها ظلمت، تشبيها بالظلم على الحقيقة.

  إلا أنه ليس يجب إذا استعمل لفظ من الألفاظ في بعض المواضع مجازا أن يستعمل في سائر المواضع فيقال: ظلمت الريح أو النار، كما قالوا ذلك في السحاب، لأن من حق المجاز أن يقر حيث ورد.

حدود للظلم غير صحيحة:

  وقد يذكر له حدود ولا يصح شيء منها.

الظلم ما ليس لفاعله أن يفعله:

  ومن جملتها، قولهم: إن الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله، وهذا لا يصح، لأن العلم بالحد ينبغي أن يكون علما بالمحدود، لا أن يكون تابعا له، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما، لا يعلم أنه ليس لفاعله فعله.

  وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح، فقلنا: إنا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه، فكيف حددت الواجب به، وفيما ذكرت ترتب العلم بالحد على العلم بالحدود، وذلك مما لا يصح.

  وبعد، فإن القبائح كلها اشتركت في أنه ليس لفاعلها فعلها، ثم ليس يجب أن يكون الكل ظلما، فإن الكذب والعبث وغيرهما مما لا يسمى بذلك.

الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه:

  وقيل في حده: هو وضع الشيء في غير موضعه وهذا أبعد من الأول، لأنه لو كان كذلك لوجب إذ وضع أحدنا منديله على ركبته أو عظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والده أن يكون ظالما، لأنه وضع الشيء في غير موضعه. إذا جعل البذرة في المحبرة أن يكون ظالما، لأنه موضع الشيء في غير موضعه، وقد عرف خلافه. فيجب أن تكون حقيقة الظلم ما ذكرناه، إما لأنه موضوع له أصلا، أو لأن بكثرة الاستعمال فيه صار حقيقة، كالغائط في قضاء الحاجة.